صفحة جزء
حقيقة الشرك

وحقيقة الشرك أن يعتقد إنسان في بعض المعظمين من الناس أن الآثار العجيبة الصادرة منه إنما صدرت لكونه متصفا بصفة من صفات الكمال ، مما لم يعهد في جنس الإنسان ، بل يختص بالواجب -جل مجده - لا يوجد في غيره إلا أن يخلع هو خلعة الألوهية على غيره ، أو يفنى غيره في ذاته ، ويبقى بذاته ، أو نحو ذلك، مما يظنه هذا المعتقد من أنواع الخرافات كما ورد في الحديث أن المشركين كانوا يلبون بهذه الصيغة : «لبيك لبيك ، لا شريك لك ، إلا شريكا هو لك ، تملكه وما ملك » .

فيتذلل عنده أقصى التذلل ، ويعامل معه معاملة العباد مع الله تعالى ، وهذا معنى : له أشباح ، وقوالب .

والشرع لا يبحث إلا عن أشباحه وقوالبه التي باشرها الناس بنية الشرك حتى صارت مظلة للشرك ، ولازمة له في العادة ؛ كسنة الشرع في إقامة العلل المتلازمة للمصالح والمفاسد مقامها .

ونحن نريد أن ننبهك على أمور جعلها الله تعالى في الشريعة المحمدية على صاحبها الصلوات والتسليمات - مظنات للشرك ، فنهى عنها . [ ص: 278 ]

فمنها : أنهم كانوا يسجدون للأصنام ، والنجوم ، فجاء النهي عن السجدة لغير الله .

قال الله تعالى : لا تسجدوا للشمس ولا للقمر واسجدوا لله الذي خلقهن [فصلت : 37] .

والإشراك في السجدة كان متلازما للإشراك في التدبير كما أومأنا إليه .

وليس الأمر كما يظن بعض المتكلمين من أن توحيد العبادة حكم من أحكام الله تعالى مما يختلف باختلاف الأديان ، لا يطلب بدليل برهاني .

كيف ولو كان كذلك لم يلزمهم الله تعالى بتفرده بالتخليق ، والتدبير كما قال -عز من قائل - : قل الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى آلله خير [النمل : 59] إلى آخر خمس آيات .

بل الحق أنهم اعترفوا بتوحيد الخلق ، وبتوحيد التدبير في الأمور العظام ، وسلموا أن العبادة متلازمة معهما ؛ لما أشرنا إليه في تحقيق معنى التوحيد .

فلذلك ألزمهم الله بما ألزمهم ، ولله الحجة البالغة .

التالي السابق


الخدمات العلمية