صفحة جزء
فيه بيان التوحيد الإلهي، ونعي على أهل الشرك.

عن أبي هريرة -رضي الله عنه-، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، فمن قال: لا إله إلا الله، فقد عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه، وحسابه على الله».

وأنزل الله في كتابه، وذكر قوما استكبروا، فقال: إنهم الآية.

وقال تعالى: وما من إله «يستحق العبادة» إلا الله الواحد القهار [ص:65] لكل شيء سواه رب السماوات والأرض وما بينهما العزيز الذي لا يغالبه مغالب الغفار لمن أطاعه.

وقال تعالى: فاعبد الله مخلصا له الدين [الزمر: 2]؛ أي: من الشرك والرياء بالتوحيد، وتصفية السر.

والإخلاص: أن يقصد العبد بعمله وجه الله سبحانه.

والدين: العبادة، والطاعة، ورأسها توحيد الله، وأنه لا شريك له. [ ص: 45 ]

وفي الآية دليل على وجوب النية، وإخلاصها عن الشوائب؛ لأن الإخلاص من الأمور القلبية التي لا تكون إلا بأعمال القلب.

وقد جاءت السنة الصحيحة بأن ملاك الأمر في الأقوال والأفعال: النية؛ كما في حديث: إنما الأعمال بالنيات، وحديث: «لا قول، ولا عمل إلا بالنية».

ألا لله الدين الخالص [الزمر: 3] أي: الدين الخالص من شوائب الشرك وغيره هو الله -سبحانه وتعالى-، وما سواه من الأديان، فليس بدين الله الخالص الذي أمر به.

قال قتادة: الدين الخالص: شهادة أن لا إله إلا الله.

وعن يزيد الرقاشي يرفعه: «إن الله لا يقبل إلا ما أخلص له»، ثم تلا هذه الآية. وقال تعالى: هو الله الواحد القهار [الزمر: 5]؛ أي: هو المتوحد في ذاته، فلا مماثل له، القاهر لكل مخلوقاته، فلا يستحق العبادة أحد سواه.

وقال تعالى: ذلكم الله ربكم له الملك [الزمر: 6] الحقيقي في الدنيا، والآخرة، لا شركة لغيره فيه.

لا إله إلا هو فأنى تصرفون ؛ أي: فكيف تنصرفون عن عبادته، وتنقلبون عنها إلى عبادة غيره، أو تصرفون عن طريق الحق بعد هذا البيان؟

وقال تعالى: قل إني أمرت أن أعبد الله مخلصا له الدين [الزمر:12]؛ أي: أعبده عبادة خالصة من الشرك، والرياء، وغير ذلك.

وأمرت لأن أكون أول المسلمين [الزمر: 12] من هذه الأمة.

قال علماء التفسير: وكذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فإنه أول من خالق دين آبائه، ودعا إلى التوحيد. [ ص: 46 ]

ومعنى الأولية: السبق بحسب الزمان، فالمراد بالسبق: السبق بحسب الدعوة.

فإن الأفضل أن من يدعو الغير إلى خلق كريم أن يدعو نفسه إليه أولا، ويتخلق به حتى يؤثر في الغير؛ كسنة الأنبياء والصالحين، لا الملوك والمتجبرين.

وقال تعالى: وما قدروا الله حق قدره [الزمر:67]؛ أي: ما عرفوه حق معرفته.

وقال المبرد: ما عظموه حق عظمته حين أشركوا به غيره، وإنما وصفهم بهذا؛ لأنهم عبدوا غير الله، وأمروا رسوله بأن يكون مثلهم في الشرك.

وقال تعالى: لا إله إلا هو إليه المصير [غافر: 3]؛ أي: مصير من يقول: لا إله إلا الله، فيدخل الجنة.

ومصير من لا يقول: لا إله إلا الله، فيدخل النار، وذلك في اليوم الآخر.

وقال تعالى: فادعوا الله مخلصين له الدين [غافر: 14]؛ أي: العبادة التي أمركم بها.

ولو كره الكافرون ذلك، فلا تلتفتوا إلى كراهتهم، ودعوهم يموتوا بغيظهم، ويهلكوا بحسرتهم.

وقال تعالى: لمن الملك اليوم [غافر:16].

قال المفسرون: إذا هلك كل من في السماوات والأرض، يقول الرب تبارك وتعالى- هذا القول، فلا يجيبه أحد، فيجيب تعالى نفسه فيقول: لله الواحد القهار .

قال الحسن: هو السائل، وهو المجيب حين لا أحد يجيبه، فيجيب نفسه.

وقيل غير ذلك، وهذا أظهر وأولى.

وقال تعالى: ذلكم الله ربكم خالق كل شيء [غافر: 12]؛ أي: الفاعل [ ص: 47 ] المخصوص بالأفعال المقتضية للألوهية، والربوبية.

لا إله إلا هو فأنى تؤفكون ؛ أي: فكيف تنقلبون عن عبادته، وتنصرفون عن توحيده، وتصرفون عن الإيمان مع قيام البرهان؟

وقال تعالى: ذلكم الله ربكم فتبارك الله رب العالمين [غافر:14] أي: كثر خيره، وبركته.

هو الحي لا إله إلا هو [غافر: 65]؛ أي: الباقي الذي لا يفنى، المتفرد بالألوهية.

وهذا التركيب يفيد الحصر، وفيه إشارة إلى العلم التام، والقدرة التامة الكاملة.

فادعوه ؛ أي: اعبدوه مخلصين له الدين ؛ أي: الطاعة، والعبادة من الشرك.

الحمد لله رب العالمين ؛ أي: احمدوه. قال الفراء: وعن ابن عباس، قال: من قال: لا إله إلا الله، فليقل إثرها: الحمد لله رب العالمين ، وذلك قوله: فادعوه مخلصين له الدين الآية. وقال تعالى: قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد [فصلت:6].

قال أهل العلم: معناه: أي: أنا كواحد منكم لولا الوحي، ولم أكن من جنس مغاير لكم حتى تكون قلوبكم في أكنة مما أدعوكم إليه، وفي آذانكم وقر، ومن بيني وبينكم حجاب، ولم أدعكم إلى ما يخالف العقل، وإنما أدعوكم إلى التوحيد.

وقيل: المعنى: إني لا أقدر على أن أحملكم على الإيمان قسرا؛ فإني بشر مثلكم، ولا امتياز لي عنكم إلا أني أوحي إلي التوحيد، والأمر به، فعلي البلاغ وحده، فإن قبلتم رشدتم، وإن أبيتم هلكتم.

وقيل: المعنى: إني لست بملك، وإنما أنا بشر مثلكم، وقد أوحي إلي دونكم، فصرت بالوحي نبيا، ووجب عليكم اتباعي.

[ ص: 48 ] فاستقيموا إليه ؛ أي: بالطاعة، ولا تميلوا عن سبيله، واستغفروه لما فرط منكم من الذنوب، والشرك، وما أنتم عليه من سوء العقيدة، والعمل.

وقال: إن الله هو ربي وربكم فاعبدوه هذا [الزخرف: 64]؛ أي: عبادة الله وحده، والعمل بشرائعه، صراط مستقيم ، وهذا تمام كلام عيسى -عليه السلام-.

وقال تعالى: لا إله إلا هو يحيي ويميت ربكم ورب آبائكم الأولين بل هم في شك يلعبون [الدخان: 9].

أضرب عن كونهم موقنين إلى كونهم في شك من التوحيد والبعث، وفي إقرارهم بأن الله خالقهم، وخالق سائر المخلوقات.

وإنما يقولونه تقليدا لآبائهم من غير علم، وإن ذلك منهم على طريقة اللعب، والهزو في دينهم بما يعن لهم من غير حجة.

وقال تعالى: واذكر أخا عاد إذ أنذر قومه بالأحقاف وقد خلت النذر من بين يديه ومن خلفه ألا تعبدوا إلا الله [الأحقاف: 21] وحده إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم ؛ أي: هائل بسبب شرككم.

التالي السابق


الخدمات العلمية