صفحة جزء
الشرك في الإرادات ، والنيات

وأما الشرك في الإرادات ، والنيات ، فذلك البحر الذي لا ساحل له ، وقل من ينجو منه .

فمن نوى بعمله غير وجه الله تعالى ، فلم يقم بحقيقة قوله : إياك نعبد ، فإن : إياك نعبد هي الحنيفية ملة إبراهيم -عليه السلام - التي أمر الله بها عباده كلهم ، ولا يقبل من أحد غيرها ، وهي حقيقة الإسلام .

ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين [آل عمران : 85] .

استمسك بهذا الأصل ، ورد ما أخرجه المبتدعة والمشركون إليه ، يتحقق لك معنى الكلمة الإلهية .

فإن قيل: إن المشرك إنما قصد بذلك تعظيم جناب الله تعالى ، وأنه سبحانه لعظمته لا ينبغي الدخول عليه إلا بالوسائط والشفعاء وكحال الملوك ، والرؤساء ، الأغنياء .

فالمشرك لم يقصد الاستهانة بجناب الربوبية ، بل إنما قصد تعظيمه ، وقال : [ ص: 303 ] إنما أعبد هؤلاء الوسائط ؛ ليقربوني إلى الله ، ويدخلوني عليه ، فهو الغاية ، وهذه هي الوسائل .

فلم كان هذا القدر موجبا لسخط الله تعالى ، وغضبه ، ومخلدا في النار ، وموجبا لسفك دماء أصحابه ، واستباحة حريمهم وأموالهم ؟

وهل يجوز في العقل أن يشرع الله تعالى لعباده التقرب إليه بالشفعاء ، والوسائط ، فيكون تحريم هذا إنما استفيد بالشرع فقط ؟ أم ذلك قبيح في الشرع ، والعقل معا ؛ إذ العقل يمتنع أن يأتي بشريعة من الشرائع ؟

وما السر في كونه لا يغفر من بين سائر الذنوب كما قال تعالى : إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء [النساء : 48] .

قلنا : الشرك شركان :

1-شرك يتعلق بذات المعبود ، وأسمائه ، وصفاته ، وأفعاله .

3-وشرك في عبادته ، ومعاملته ، -وإن كان صاحبه يعتقد أنه سبحانه لا شريك له في ذاته ولا في صفاته - .

وأما الشرك الثاني ، فهو الذي فرغنا من الكلام فيه ، وأشرنا إليه الآن ، ونشبع الكلام فيه -إن شاء الله تعالى -

وأما الشرك الأول ، فهو نوعان .

أحدهما : شرك التعطيل : وهو أقبح أنواع الشرك ؛ كشرك فرعون في قوله : وما رب العالمين [الشعراء : 23] ، وقوله لـ «هامان » : فاجعل لي صرحا لعلي أطلع إلى إله موسى وإني لأظنه من الكاذبين [القصص : 38] .

والشرك ، والتعطيل متلازمان .

فكل مشرك معطل ، وكل معطل مشرك .

لكن الشرك لا يستلزم أصل التعطيل ، بل قد يكون المشرك مقرا بالخالق سبحانه ، وصفاته ، ولكنه معطل حق التوحيد . [ ص: 304 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية