صفحة جزء
فإن قيل: التقييد بالمشيئة لا ينافي الوجوب ، بل يستلزم وجوب المشيئة بعد ثبوت المغفرة . [ ص: 371 ]

قلنا : فحينئذ لا فائدة في هذا التقييد .

ومذهب الخوارج ؛ حيث قالوا : كل ذنب شرك ، صاحبه مخلد في النار .

وأخرج أبو يعلى ، وابن المنذر ، وابن عدي بسند صحيح عن ابن عمر ، قال: كنا نمسك عن الاستغفار لأهل الكبائر حتى سمعنا من نبينا صلى الله عليه وسلم: إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء .

قال : «إني ادخرت دعوتي شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي » ، فأمسكنا عن كثير مما كان في أنفسنا ، ثم نطقنا بعد ، ورجونا
.

قال البغوي -ناقلا عن الكلبي - : إن الآية نزلت في وحشي بن حرب ، وأصحابه ، ثم ذكر قصته المذكورة ، ثم قال: فإن قيل: هذه القصة تدل على نسخ تقييد المغفرة بالمشيئة ، فيثبت مذهب المرجئة .

قلنا : هذا التقييد لا يحتمل النسخ ؛ إذ لا يجوز وجود شيء من الأشياء -مغفرة كانت ، أو غيرها - بدون مشيئة الله .

لكن نزول قوله تعالى : يا عبادي الذين أسرفوا في شأن وحشي دل على كونه من أهل المشيئة ، والله أعلم .

وقال البغوي -رحمه الله - ناقلا عن أبي مجلز ، عن ابن عمر : أنه لما نزل : قل يا عبادي الذين أسرفوا الآية ، قام رجل ، فقال : والشرك يا رسول الله ؟ فسكت ، ثم قام إليه مرتين أو ثلاثا ، فنزلت : إن الله لا يغفر أن يشرك به الآية .

وقال ناقلا عن مطرف بن عبد الله بن الشخير ، عن ابن عمر ، قال: كنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا مات الرجل على كبيرة ، شهدنا أنه من أهل النار ، حتى نزلت الآية ، فأمسكنا عن الشهادات .

وقال : حكي عن علي -رضي الله عنه - : أن هذه الآية أرجى آية في القرآن .

التالي السابق


الخدمات العلمية