صفحة جزء
وقد دل هذا الحديث على أن الرجل البريء من الشرك لو أنكرهم ، وترك نذورهم ، ومحا رسومهم ، ونصر الدين ، وخذل المشركين ، ثم وصل إليه نقص في المال ، أو الأولاد ، أو الأنفس ، أو كلفه شيطان ، أو جن ، أو خبيث باسم شيخ ، أو شهيد ، أو صالح ، أو ولي ، وآذاه ، فعليه بالصبر الجميل ، والقيام على حاله . [ ص: 397 ]

وينبغي أن يعلم أن الله مبتليه بهذا، يمتحنه في ذلك.

وأنه سبحانه كما يأخذ الظلمة على التدريج ، ويمهلهم إلى حين قريبا ، أو مديد ، ويخلص المظلومين من أيديهم ، فهكذا أمهل ظلمة الجنيات ، والشياطين ، والخبث والخبائث ، والأبالسة إلى حين ، ثم يأخذهم ، وينجي المؤمنين الصلحاء من أذياتهم ، وإيصال تكاليفهم ، لا شك في ذلك.

ومن شك فيه ، فلا حاجة لله فيما هنالك ، فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر ، إن الله غني عن العالمين .

وعن ابن مسعود -رضي الله عنه - ، قال: قال رجل : يا رسول الله ! أي الذنب أكبر عند الله ؟ .

قال : «أن تدعو مع الله ندا وهو خلقك »
أخرجه البخاري ، ومسلم كما في باب : الكبائر في «المشكاة » .

والمعنى : أنهم كما يرون أن الله تعالى هو الحاضر الناظر كل وقت ، والأمر كله بيده ، ويدعونه عند كل مشكل ، فكذلك لا ينبغي أن يدعوا غيره على هذه الطريقة ، والاعتقاد ؛ فإن ذلك إثم عظيم ، بل هذا الأمر غلط من رأسه ؛ لأن أحدا لا يقدر على قضاء حاجة ، ولا يحضر ، ولا ينظر في كل موضع .

ثم لما ثبت أن خالقنا هو الله وحده لا شريك له ، وهو الذي خلقنا ، وفطرنا ، وجب علينا أن ندعوه في حاجتنا ، ولا ندعو ، ولا نعبد إلا إياه ، وما لنا ولغيره ؟

ألا ترى أن من كان مملوكا للسلطان الواحد ، فإنه لا يتعلق في أموره إلا به ، ولا يرفع رأسه إلى غيره -ملكا كان ، أو مالكا - فضلا عن أن يلتفت إلى أحد من الكناسين ، والدباغين ؟

و «الند » : هو المساوي لغيره في الذات والصفات ، المخالف له في الأفعال والأحكام .

و «الضد » : هو المخالف لغيره في جميع الأمور ، والله -سبحانه وتعالى - لا ند له ، ولا ضد . [ ص: 398 ]

فمن اتخذ ندا له ، ودعاه ، فقد أشرك به تعالى ، وهذا أعظم الذنوب ، وأكبرها عند الله ، ولهذا لا يغفر هذا الذنب .

وفي رواية أخرى عنه -رضي الله عنه - : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من مات وهو يدعو لله ندا ، دخل النار » رواه البخاري .

قال ابن القيم -رحمه الله - : الند : الشبيه ، يقال : فلان ند فلان ، ونديده ؛ أي : مثله ، وشبيهه . قال تعالى : فلا تجعلوا لله أندادا وأنتم تعلمون [البقرة : 22] .

والمعنى : من مات وهو يجعل لله ندا في العبادة ، يدعوه ، ويسأله ، ويستغيث به ، دخل النار .

وفيه من الوعيد ما لا يقادر قدره .

واتخاذ الند على قسمين :

الأول : أن يجعل لله شريكا في أنواع العبادة ، وهو شرك أكبر .

والثاني : ما كان من نوع الشرك الأصغر ؛ كقول الرجل : ما شاء الله ، وشئت ، ولولا الله وأنت ، وكيسير الرياء .

فقد ثبت : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له رجل : ما شاء الله ، وشئت ، فقال : «أجعلتني لله ندا ؟ بل ما شاء الله وحده » رواه أحمد ، وابن أبي شيبة ، والبخاري في «الأدب المفرد » ، والنسائي ، وابن ماجه .

التالي السابق


الخدمات العلمية