صفحة جزء
الدعاء نوع من أنواع العبادة

إذ الدعاء بطلب وصول الخير إليه ، ودفع الضر عنه هو من أنواع العبادة .

ولا فرق بين أن يكون هذا المدعو من دون الله أو معه ، حجرا ، أو شجرا ، أو ملكا ، أو شيطانا ، كما كان يفعل ذلك الجاهلية . وبين أن يكون إنسانا من الأحياء ، أو الأموات ، كما يفعل الآن كثير من المسلمين المشركين .

وكل عالم يعلم هذا ، ويقر به ؛ فإن العلة واحدة . وعبادة غير الله تعالى ، وتشريك غيره معه ، يكون للحيوان ، كما يكون للجماد ، وللحي كما يكون للميت .

فمن زعم أن ثم فرقا بين من اعتقد في وثن من الأوثان أنه يضر وينفع ، وبين من اعتقد في ميت من بني آدم ، أو حي منهم : أنه يضر ، أو ينفع ، أو يقدر على أمر لا يقدر عليه الله تعالى ، أو يقدر عليه معه ، فقد غلط غلطا بينا ، وأقر على نفسه بجهل كبير .

فإن الشرك هو دعاء غير الله في الأشياء التي تختص به ، أو اعتقاد القدرة لغيره فيما لا يقدر عليه سواه ، أو التقرب إلى غيره بشيء مما لا يتقرب به إلا إليه .

ومجرد تسمية المشركين لما جعلوه شريكا ، بالصنم ، والوثن ، والإله ، ليس زيادة على التسمية ، بالولي ، والقبر ، والمشهد ، كما يفعله كثير من المسلمين المشركين .

إذ ليس الشرك هو مجرد إطلاق بعض الأسماء على بعض المسميات ، بل الشرك هو أن يفعل لغير الله شيئا يختص به سبحانه ، سواء أطلق على ذلك الغير ما كان تطلقه عليه الجاهلية ، أو أطلق عليه اسما آخر ، فلا اعتبار بالاسم قط . [ ص: 407 ]

ومن لم يعرف هذا ، فهو جاهل لا يستحق أن يخاطب بما يخاطب أهل العلم . وقد علم أن عبادة الكفار للأصنام لم تكن إلا بتعظيمها ، واعتقاد أنها تضر وتنفع ، والاستغاثة بها عند الحاجة ، والتقرب لها في بعض الحالات بجزء من أموالهم .

وهذا كله ، قد وقع من المعتقدين في القبور ؛ فإنهم قد عظموها إلى حد لا يكون إلا لله سبحانه ، بل بما يترك العاصي منهم فعل المعصية ، إذا كان في مشهد من يعتقده ، أو قريبا منه ؛ مخافة تعجيل العقوبة من ذلك الميت .

وربما لا يتركها إذا كان في حرم لله ، أو في مسجد من المساجد ، أو قريبا من ذلك.

وربما حلف بعض غلاتهم بالله كاذبا ، ولم يحلف بالميت الذي يعتقده .

وأما اعتقادهم أنها تضر وتنفع ، فلولا اشتمال ضمائرهم على هذا الاعتقاد ، لم يدع أحد منهم ميتا أو حيا ، عند استجلابه لنفع ، أو استدفاعه لضر ، قائلا : يا فلان ! افعل لي كذا وكذا ، وعلى الله وعليك ، وأنا بالله وبك .

وأما التقرب للأموات ، فانظر ما يجعلونه من النذور لهم ، وعلى قبورهم في كثير من المحلات . ولو طلب الواحد منهم أن يسمح بجزء من ذلك لله تعالى ، لم يفعل ، وهذا معلوم يعرفه من عرف أحوال هؤلاء . انتهى كلام الدر «النضيد » .

* * * [ ص: 408 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية