صفحة جزء
وقال تعالى: واتخذوا من دونه الضمير للكفار، أو المشركين؛ أي: اتخذ المشركون لأنفسهم - متجاوزين الله - آلهة، قال قتادة: هي الأوثان التي تعبد من دون الله.

و"الوثن": كل شيء عبد من دون الله غير الأصنام، فيدخل فيه مكان أربعين أهل الأربعين، وقبور الأنبياء والصالحين، وآثارهم.

لا يخلقون شيئا [الفرقان: 3] أي: لا يقدرون على خلق شيء من الأشياء. وغلب العقلاء على غيرهم؛ لأن في معبودات الكفار الملائكة وعزيرا والمسيح.

وهم يخلقون أي: يخلقهم الله سبحانه، قال قتادة: أي: هو الله الخالق الرازق، وهذه الأوثان تخلق ولا تخلق شيئا، ولا تضر، ولا تنفع.

وقيل: عبر عن الآلهة بضمير العقلاء؛ جريا على اعتقاد الكفار أنها تضر وتنفع.

ولا يملكون لأنفسهم ضرا ولا نفعا أي: لا يقدرون على أن يجلبوا لأنفسهم نفعا، ولا يدفعوا عنها ضرا. وقدم ذكر "الضر"؛ لأن دفعه أهم من جلب النفع.

وإذا كانوا بحيث لا يقدرون على الدفع والنفع فيما يتعلق بأنفسهم، فكيف يملكون ذلك لمن يعبدهم؟ وهذا يدل على غاية عجزهم، ونهاية ضعفهم.

ثم زاد في بيان عجزهم، فنص على هذه الأمور، فقال: ولا يملكون لأنفسهم ضرا ولا نفعا ولا يملكون موتا ولا حياة ولا نشورا [الفرقان: 3] أي: لا يقدرون على إماتة الأحياء، ولا إحياء الموتى، ولا بعثهم من القبور؛ لأن النشور هو الأحياء بعد الموت.

[ ص: 37 ] وفي الآية بيان التوحيد، وتزييف مذاهب المشركين المثبتين التصرف لغير الله تعالى في الخلق. ورد عليهم بالحجة الساطعة، والبرهان القطعي الذي لا يمكن أن يدفع ويرفع.

وقال تعالى: ويعبدون من دون الله ما لا ينفعهم [الفرقان: 55] إن عبدوه ولا يضرهم [الفرقان: 55] إن تركوه وكان الكافر على ربه ظهيرا [الفرقان: 55] أي: المعاون عليه بالشرك، والعداوة.

والمظاهرة على الرب، هي المظاهرة على رسوله، وعلى دينه.

قال الزجاج: لأنه يتابع الشيطان، ويعاونه على معصية الله؛ لأن عبادتهم لغير الله من الأصنام والسادة، معاون للشيطان.

وقال تعالى: والذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير [فاطر: 13] أي: لا يقدرون عليه، ولا على خلقه.

و"القطمير": القشرة الرقيقة التي تكون بين التمرة والنواة كاللفافة لها، وقيل غير ذلك.

إن تدعوهم [فاطر: 14] أي: إن تستغيثوا بهم في النوائب لا يسمعوا دعاءكم (فاطر: 14]؛ لكونها جمادات، أو أمواتا، لا تدرك شيئا من المدركات. ولو سمعوا [فاطر: 14] فرضا وتقديرا ما استجابوا لكم [فاطر: 14]؛ لعجزهم عن ذلك.

قال قتادة: المعنى: ولو سمعوا، لم ينفعوكم.

وقيل: المعنى: لو جعلنا لهم سماعا وحياة، فسمعوا دعاءكم، لكانوا أطوع لله منكم، ولم يستجيبوا لكم إلى ما دعوتموهم إليه من الشرك والكفر.

ويوم القيامة يكفرون بشرككم [فاطر: 14] أي: يتبرؤون من عبادتكم لهم، ويقولون: ما كنتم إيانا تعبدون.

قال في «فتح البيان»: ويجوز أن يرجع والذين تدعون من دونه : [فاطر: 13] [ ص: 38 ] وما بعده إلى من يعقل ممن عبدهم المشركون والكفار، وهم الملائكة، والجن والشياطين، والمعنى: أنهم يجحدون أن يكون ما فعلتموه حقا، وينكرون أنهم أمروكم بعبادتهم، كما أخبر الله تعالى عن عيسى - عليه السلام - بقوله: ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق [المائدة: 116].

قال القرطبي: ويجوز أن يندرج فيه الأصنام أيضا، أي: يحييها الله حتى تخبر بأنها ليست أهلا للعبادة. انتهى.

وأقول: اللفظ أوسع من ذلك، والعبرة بعموم اللفظ، لا بخصوص السبب، فيدخل في الآية كل من يعقل ولا يعقل من المعبودين الباطلين.

ولا ينبئك مثل خبير [فاطر: 14] أي: لا يخبرك أيها المفتون بأسباب الغرور، والمشرك بالله غيره في التصرف في الأمور، مثل من هو خبير بالأشياء، عالم بخبايا الأمور، وهو الله سبحانه.

فإنه لا أحد أخبر بخلقه، وأقوالهم وأفعالهم منه سبحانه، وهو الخبير بكنه الأمور وحقائقها.

التالي السابق


الخدمات العلمية