صفحة جزء
ملعون من ذبح لغير الله

قال بعض أهل العلم: هذا يدل على أن من ذبح حيوانا منسوبا إلى أحد من دون الله، فهو ملعون، ومطرود من رحمة الله الواسعة، التي شملت كل شيء، وعمت كل ميت وحي.

وكان علي -كرم الله وجهه- كتب أحاديث عديدة في صحيفة جعلها في قراب سيفه، فمنها هذا الحديث. وإنما فعل هذا؛ اهتماما بشأن هذه المسألة وغيرها، كأنها مما لا ينبغي أن ينسى في وقت من الأوقات.

فهذا الحديث دليل على أن ذبح الحيوان وإزهاق روحه على اسم أحد، من الأمور التي خصها سبحانه وتعالى لتعظيمه. فلا يجوز أن يذبح حيوان على اسم أحد، كائنا من كان، وفي أي مكانة ومنزلة من الصلاح والفلاح كان، إلا على اسم الله الذي خلق ذلك الحيوان، وهذا الإنسان. ومن خالف هذا، أو ذبحه على اسم غيره، ولغيره، فقد أشرك بالله، وصار ملعونا على لسان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقد كثر الذبح في هذا الزمان على أسماء سموها هؤلاء وآباؤهم، ما أنزل الله [ ص: 85 ] بها من سلطان، فاستحوذ عليهم الشيطان، وذهب من أكثر الناس الإيمان، فإنا لله وإنا إليه راجعون.

ومن هذا الذي لا يقدر على خلق ذباب وإن سلبه الذباب شيئا لا يستنقذه، ضعف الطالب والمطلوب، ثم يذبح له حيوان هو أكبر من الذباب؟ والله ما قدروا الله حق قدره! وقد تقدم الكلام على ما أهل به لغير الله قريبا فراجعه.

وعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: «لا يذهب الليل والنهار، حتى يعبد اللات والعزى». «اللات»: صنم كان لثقيف، و «العزى»: صنم لغطفان. فقلت: يا رسول الله! إني كنت لأظن حين أنزل الله: هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون [الصف: 9] أن ذلك تام، قال: «إنه سيكون من ذلك ما شاء الله، ثم يبعث الله ريحا طيبة فتوفى كل من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان، فيبقى من لا خير فيه، فيرجعون إلى دين آبائهم» رواه مسلم في «صحيحه».

قال بعض أهل العلم: يعني: أن الله تعالى أخبر في كتابه في سورة «براءة» من ظهور هذا الدين، دين الإسلام، على الأديان كلها، وإن كرهه أهل الشرك، ففهمت عائشة من هذه الآية أن هذا الدين يكون باقيا إلى عموم القيامة، وظاهرا على الملل كلها، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: إن ظهوره لا بد أن يكون، ولكن إلى ما شاء الله، ثم يرسل الله إرادة منه ريحا طيبة توفى كل من كان في قلبه قليل من الإيمان، ويبقى من الناس من لا يكون فيه من خير شيء، لا تعظيم الله تعالى، ولا سلوك سبيل رسوله، بل شوقهم اتباع رسوم الآباء والأجداد، وتقليد الرجال الأموات، والاستناد بأقوال هؤلاء، فيقعون بهذه الأسباب في الإشراك بالله تعالى؛ لأن آباءهم وأجدادهم كانوا مشركين غالبا. فمن استند به في الدين، واستبد برأيه في فهم الشرع المبين، فقد عاد مشركا، وصار مثله في الضلالة. [ ص: 86 ] فهذا الحديث الشريف دل أوضح دلالة على أنه يروج في آخر الزمن الشرك القديم، كما راج في هذا العصر، بل من عصور خالية، الشرك الجديد.

والمراد بالأول: عبادة الأصنام، وبالثاني: عبادة الأوثان، وقد تقدم الفرق بينهما، وأن الرسوم الجارية في جملة المسلمين غالبها من هذا القسم الأخير، وقد أخبر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في هذا الخبر: أن القسم الأول أيضا سيقع في هذه الأمة.

وقد وجدت علامات ما أخبر به الصادق المصدوق في هذا العصر، وظهرت طلائعه في الآفاق، وسطعت مقدماته في العالم. ألا ترى أن المسلمين كما يعاملون معاملة الشرك مع أنبيائهم، وأوليائهم، وشهدائهم، فكذلك راج الشرك القديم أيضا فيهم؛ فإنهم يعظمون أصنام الكفار، ويسلكون على رسومهم؛ كالاستخبار من البرهمن في الأمور، والتفاؤل بالطيور، وبساعات الدهور، والاعتقاد بالجدري، ونحوها؛ كعبادة المسابي، وهنومان، ولونا الدباغة، وكلوابير، والهتف بأسمائهم، والاعتياد بأعياد الهنود، كهولى، ودوالى، وبمواسم المجوس؛ كنوروز، ومهرجان، والعبرة بكون القمر في العقرب وتحت الشعاع؛ فإن هذه من مراسم كفار الهند، والفرس، وقد شاعت وراجت في جهلة المسلمين. ومن هنا ثبت أن باب الشرك إنما فتح على هؤلاء بالتمسك برسوم الآباء والأجداد، وترك الاعتصام بالكتاب والسنة.

التالي السابق


الخدمات العلمية