صفحة جزء
حكم التصوير وما ورد فيه

وعن عائشة - رضي الله عنها -: أنها اشترت نمرقة - بضم النون وفتح الراء - وهي وسادة صغيرة، وقيل: هي مرفقة.

فيها تصاوير، فلما رآها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قام على الباب فلم يدخل، فعرفت في وجهه الكراهية، قالت: فقلت: يا رسول الله! أتوب إلى الله وإلى رسوله، ماذا أذنبت؟.

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما بال هذه النمرقة ؟» قالت: قلت: اشتريتها لك لتقعد عليها وتوسدها».

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن أصحاب هذه الصورة يعذبون يوم القيامة. يقال لهم: أحيوا ما خلقتم».


وقال: «إن البيت الذي فيه الصورة لا تدخله الملائكة» متفق عليه.

قال بعض أهل العلم: يعني: أن المشركين يعبدون الأصنام والأوثان، فلهذا يستقذر الملائكة من الصور المنحوتة، وينفر عنها الرسل والأنبياء - عليهم السلام - أيضا.

والمصورون يعذبون في الآخرة؛ لأنهم جمعوا أسباب عبادة الأوثان.

فعلم من هذا الحديث أن ما يفعله جهلة المسلمين من تعظيم تصاوير أنبيائهم وأئمتهم وأوليائهم ومشايخهم وأحبابهم وأولادهم ونسائهم وعشائرهم وقبائلهم، ويحفظونها عندهم؛ رجاء للبركة، أو تذكارا للأحبة، فذلك ضلال بحت، وغرق في بحر الشرك.

[ ص: 218 ] والأنبياء والملائكة ساخطون عليهم، باغضون لهم، بل لا يدخلون في بيت فيه تصوير لأحد من هؤلاء وغيرهم ؛ استقذارا منه، واحترازا عن دنسه ورجسه، فالذي ينبغي للمسلم أن يخرج هذه التصاوير من بيوته، ويبعدها عن نفسه وأهله وآله ؛ ليفرح الرسول - عليه السلام -، وتدخل الملائكة في بيته على الدوام، وتنتشر بركات قدومهم إليه.

وعن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن أشد الناس عذابا يوم القيامة من قتل نبيا، أو قتله نبي، أو قتل أحد والديه، والمصورون، وعالم لم ينتفع بعلمه» رواه البيهقي في «شعب الإيمان».

دل الحديث على أن المصورين داخلون في هؤلاء الذين هم أشد الناس عذابا في اليوم الآخر، فهم أصحاب الكبائر العظمى، بل أهل الشرك الجلي الواضح، ألا ترى أن «يزيد» و «شمر» لم يقتلا رسولا ولا نبيا، إنما قتلا سبط النبي صلى الله عليه وسلم وإمام وقته الذي كان نائبا عنه صلى الله عليه وسلم.

فالمصور أسوأ حالا منهما ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قرنه بقاتل الأنبياء.

ويؤيده حديث ابن مسعود، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «أشد الناس عذابا عند الله المصورون» متفق عليه.

وفي الحديث أيضا: وعيد شديد لغير المصور من المذكورين فيه، وهم: قتيل النبي، وقاتله، وقاتل أحد الأبوين، والعالم الغير المنتفع بعلمه، وهو الذي لم يعمل بنفسه بما علم، ولم يعلم غيره ما تعلم، لا باللسان، ولا بالبيان، ولا بكتابة البنان.

وعن أبي هريرة - رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : [ ص: 219 ] «قال الله تعالى: ومن أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي، فليخلقوا ذرة، أو ليخلقوا حبة، أو شعيرة». متفق عليه.

المراد بالذرة المشددة الراء -: النملة الصغيرة.

وما أفحم هذه الحجة! فإنه لا يقدر أحد من المخلوق أن يخلق شيئا من ذلك، بل لا يمكن أحدا يدعيه ويصدق في هذا، بل كلهم محجوجون بهذه الحجة النيرة اللامعة لمعان الشمس في نصف النهار.

قال بعض أهل العلم في معنى هذا الحديث: يعني: أن المصورين يدعون الإلهية في هذه السترة ؛ لكونهم يريدون أن يصنعوا أشياء مثل ما صنعه الخالق القدير.

فهم مسيئو الأدب بالله - عز وجل -، ودعواهم هذه كذب صريح، وحجة داحضة.

كيف وهم عاجزون من أن يخلقوا ذرة، أو يقدروا عليها، وليسوا إلا ناقلين لها؟ وهم بذلك واقعون في الشرك الواضح، لإيذانهم بأنهم شركاء الباري في انتزاع هذه الصور، وقد حشدوا لعابدي الصور أسبابا لعبادة غير الله تعالى.

وأما حكم التصوير على طريقة أهل الفروع، وحكمها، وقسمتها إلى صور جائزة وغير جائزة، فمحل ذلك كتب الفروع. وقد قضى صاحب «دليل الطالب على أرجح المطالب» هذا الوطر فيه، فراجعه.

وإنما مرادنا في هذا الموضع بيان الشرك العادي السائر الدائر في عامة الناس من المسلمين المشركين الغافلين عن مسائل الدين.

وعن ابن عباس - رضي الله عنهما- قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «كل مصور في النار، يجعل له بكل صورة صورها نفسا، فيعذبه في جهنم». قال ابن عباس: فإن كنت لا بد فاعلا، فاصنع الشجر وما لا روح فيه. متفق عليه.

فيه: جواز تصوير غير الحيوان، والأولى تركه أيضا.

ولكن التأسف على أهل هذا الزمان، فقد راجت فيهم التصاوير في كل [ ص: 220 ] شيء، حتى الأواني والملابس، وظروف الطعام والشراب وغيرهما، والبيوت وآلات الكتابة ونحوها، مما لا يأتي عليه الحصر. وأشكل على أهل الدين الاجتناب منه؛ لعموم البلوى، وخصوص الحكومة، فإنا لله وإنا إليه راجعون.

وعن أبي هريرة - رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يخرج عنق من النار يوم القيامة له عينان تبصران، وأذنان تسمعان، ولسان ينطق، يقول: إني وكلت بثلاثة: بكل جبار عنيد» أي: معاند متكبر «وكل من دعا مع الله إلها آخر»، وعبده بعبادة أي عبادة كانت صغيرة أو كبيرة، جلية أو خفية، «وبالمصورين» الذين يصورون الحيوانات في القراطيس والثياب وجميع الأشياء. رواه الترمذي.

وقد قرن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المصورين في هذا الحديث بالمشركين، والظالمين المتكبرين، وهذا وعيد عظيم لا يقدر قدره، ولا يبلغ مداه.

والأحاديث في هذا الباب كثيرة جدا، وفيما أوردناه كفاية وبلاغ لمن ألقى السمع وهو شهيد.

التالي السابق


الخدمات العلمية