صفحة جزء
[ ص: 221 ] باب

في رد بقية أنواع الشرك مما تقدم إجمالا

أو لم يتقدم أصلا، وفيه فصول:

فصل في شرك لبس الحلقة والخيط ونحوهما لرفع البلايا ودفعها

ومعنى رفع الشيء: إزالته بعد نزوله، ومعنى دفع الشيء: منعه قبل نزوله

عن عمران بن حصين - رضي الله عنه -: «أن النبي صلى الله عليه- رأى رجلا في يده حلقة». وفي رواية الحاكم: دخلت على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وفي عضدي حلقة من صفر. فالمبهم في هذه الراوية هو عمران راوي الحديث.

«قال: ما هذه ؟».

يحتمل أن يكون الاستفهام للاستفصال عن سبب لبسها، أو يكون للإنكار، وهو أظهر.

قال: من الواهنة.

قال أبو السعادات: الواهنة: عرق يأخذ بالمنكب وفي اليد كلها، فيرقى منها. وقيل: مرض يأخذ في العضد، وهي تأخذ الرجال دون النساء.

«قال: انزعها» نهى عنه ؛ لأنه إنما اتخذها على أنها تعصمه من الألم، وفيه اعتبار المقاصد، والنزع: هو الجذب بقوة.

«فإنها لا تزيدك إلا وهنا» أخبر أنها لا تنفعك، بل تضرك وتزيدك ضعفا، وكذلك كل أمر نهي عنه، فإنه لا ينفع غالبا، وإن نفع بعضه في اعتقاده الكاذب، فضرره أكبر من نفعه.

[ ص: 222 ] «فإنك لو مت وهي عليك، ما أفلحت أبدا» ؛ لأنه شرك استعان صاحبه بغير الله تعالى، والفلاح: هو الفوز والظفر والسعادة.

وفي هذا شاهد لكلام الصحابة أن الشرك الأصغر أكبر من الكبائر، وأنه لم يعذره بالجهالة».

وفيه: الإنكار بالتغليط على من فعل مثل ذلك. رواه أحمد بسند لا بأس به.

وله - رضي الله عنه - عن عقبة بن عامر مرفوعا: «من تعلق تميمة» ؛ أي: علقها متعلقا بها قلبه في طلب خير، أو دفع شر وضير.

قال المنذري: خرزة كانوا يعلقونها، يرون أنها تدفع عنهم الآفات، وهذا جهل وضلال؛ إذ لا مانع ولا دافع غير الله تعالى.

وقال أبو السعادات: التمائم: جمع تميمة، وهي خرزة كانت العرب تعلقها على أولادهم يتقون بها العين في زعمهم، فأبطلها الإسلام «فلا أتم الله له» دعاء عليه «ومن تعلق ودعة» - بفتح الواو وسكون المهملة-. قال في «مسند الفردوس»: الودع: شيء يخرج من البحر شبه الصدف يتعقبون به العين، «فلا ودع الله له» - بتخفيف الدال -؛ أي: لا جعله في دعة وسكون.

قال أبو السعادات: هذا دعاء عليه.

وروى هذا الحديث أيضا: أبو يعلى، والحاكم، وقال: صحيح الإسناد، وأقره الذهبي.

وفي رواية لأحمد: «من تعلق تميمة، فقد أشرك». وهذا أصرح من الأول، ورواه الحاكم أيضا بنحوه، ورواته ثقات، قال ابن الأثير: إنما جعلها شركا؛ لأنهم أرادوا دفع المقادير المكتوبة عليهم، وطلبوا دفع الأذى من غير الله الذي هو دافعه.

قال: ولابن أبي حاتم عن حذيفة: أنه رأى رجلا في يده خيط من الحمى، [ ص: 223 ] فقطعه، وتلا قوله تعالى: وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون .

وفي لفظ: دخل حذيفة على مريض، فرأى في عضده سيرا فقطعه، أو انتزعه، ثم قال: وما يؤمن إلخ.

كان الجهال يعلقون التمائم والخيوط ونحوها؛ لدفع الحمى، واستدل حذيفة بالآية على أن هذا شرك.

وفيه صحة الاستدلال على الشرك الأصغر بما أنزل الله في الشرك الأكبر ؛ لشمول الآية له ودخوله في مسمى الشرك.

وفي رواية عن حذيفة بلفظ: إنه دخل على مريض، فلمس عضده، فإذا فيه خيط، فقال: ما هذا؟ قال: شيء رقي لي فيه، فقطعه، وقال: لو مت وهي عليك، ما صليت عليك.

وفيه إنكار مثل هذا، وإن كان يعتقد أنه سبب، فالأسباب لا يجوز منها إلا ما أباحه الله ورسوله، مع عدم الاعتماد عليها.

وأما التمائم والخيوط والحروز والطلاسم ونحو ذلك مما يعلقه الجهلة البطلة، فهو شرك يجب إنكاره وإزالته بالقول وبالفعل، وإن لم يأذن فيه صاحبه.

وفي هذه الآثار عن الصحابة ما يبين كمال علمهم بالتوحيد، وبما ينافيه من أنواع الشرك، أو ينافي كماله.

التالي السابق


الخدمات العلمية