صفحة جزء
فصل

ومن تلاعبه بهم: أنهم يقدحون في الأنبياء. وقد آذوا «موسى» في حياته، ونسبوه إلى ما برأه الله منه.

ونهى الله عن مثل فعلهم، فقال: يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين آذوا موسى فبرأه الله مما قالوا وكان عند الله وجيها [الأحزاب: 69].

وثبت في «الصحيحين» من حديث أبي هريرة، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «كانت بنو إسرائيل يغتسلون عراة، ينظر بعضهم إلى سوءة بعض، وكان موسى يغتسل وحده، فقالت بنو إسرائيل: ما يمنع موسى أن يغتسل معنا إلا أنه آدر، فذهب موسى يغتسل، فوضع ثوبه على حجر، ففر الحجر بثوبه، قال: فجمح موسى بأثره يقول: ثوبي حجر، ثوبي حجر! حتى نظرت إسرائيل إلى سوءته، وقالوا: والله ما بموسى بأس».

وقيل في تفسير الآية: إنه صعد موسى وهارون الجبل، فمات هارون، فاتهموه بقتله، فأمر الله الملائكة، فحملته وشافهت بني إسرائيل موته.

وقد بالغوا في عداوة النبي -صلى الله عليه وسلم- بالقول والفعل، وقدحوا في كثير من الأنبياء.

ومن ذلك: ما نسبوه إلى نص التوراة: أنه لما أهلك الله قوم لوط، ولم ينج إلا لوط -عليه السلام- وابنتاه، قالت إحدى ابنتيه للأخرى: هلم نسق أبانا خمرا، ونضاجعه؛ لنستبقي من أبينا نسلا.

وأعجب من ذلك: أن في التوراة التي بأيديهم: أن يهوذا بن يعقوب، زوج ولده الأكبر بامرأة يقال لها «تاما» وكان يأتيها مستدبرا، فغضب الله من فعله، فأهلكه، فزوج بها «يهوذا» ولده الآخر فكان يعزل عنها، علما منه بأن أول مولود ينسب إلى أخيه، فكره الله منه ذلك، فأماته، فأمرها «يهوذا» باللحاق ببيت أبيها حتى يكبر ولد صغير له ويتم عقله؛ حذرا من أن يصيبه ما أصاب أخويه، فأقامت في بيت أبيها، وصعد يوما إلى منزل له، فلبست زوجة ابنه زي الزواني، وتعرضت له، فراودها، ورهن عندها عصاه وخاتمه بأجرتها، ودخل بها، [ ص: 454 ] فعلقت منه، فلما أخبر «يهوذا» أن زوجة ابنه علقت من الزنا، أذن بإحراقها فبعثت إليه بخاتمه وعصاه، فاعتذر بأنه لم يعرفها، ولم يستحل معاودتها، قالوا: ومن ولدها من ذلك الزنا «داود» - عليه السلام- ومن أكاذيبهم: أن الزوج إذا راجع زوجته بعد أن طلقها، ونكحت غيره، كان أولادهما أولاد زنا.

قالوا: والمسلمون أولاد زنا بهذه الواسطة، قالوا: وعبد الله بن سلام هو الذي وضع ذلك، قصد به أن يجعل أولاد المسلمين أولاد زنا.

قالوا: وكان «محمد» قد رأى أحلاما تدل على أنه صاحب دولة، فسافر إلى الشام في تجارة لخديجة، اجتمع بأحبار يهود، وقص عليهم أحلامه، فعلموا أنه صاحب دولة، فأصحبوه «عبد الله بن سلام» فقرأ عليه علوم التوراة، ونسبوا الفصاحة والإعجاز اللذين في القرآن إلى «عبد الله بن سلام».

وهذا غير مستنكر من أمة قدحت في معبودها، ونسبته إلى ما لا يليق بجلاله، ورمت أنبياءه بالعظائم؛ كقولهم: عيسى -عليه السلام- ولد غية، ونسبتهم لأمه إلى الفجور، وقولهم في «لوط»: إنه وطئ ابنتيه وهو سكران، ونسبة السحر إلى «سليمان» وأنه ملك ساحر.

وقولهم في «يوسف»: إنه حل سراويل سيدته، وقعد منها مقعد الرجل من امرأته، فانشق الحائط، ورأى أباه «يعقوب» عاضا على أنامله.

فلم يقم حتى نزل عليه «جبريل» فقال: يا يوسف! تكون من الزناة، وأنت -معدود عند الله- من الأنبياء؟ فلم يرتدع عن الفاحشة إلا بذلك، وفي هذا غاية الذم.

وقولهم: إن عيسى كان يداوي المرضى بالأدوية، ويوهم أن ذلك حصل بدعائه.

ومن العجب: أن في التوراة التي بأيديهم لا يزول الملك من آل «يهوذا» إلى أن يأتي المسيح، وفي ضمن هذا إقرارهم بنبوة «المسيح» فإنهم كانوا أصحاب دولة، انقضى ملكهم بظهوره.

[ ص: 455 ] قالوا: وهو ولد يوسف النجار لغية لا لرشدة، إلا أنه عرف الاسم الأعظم، مع قولهم بأن موسى -عليه السلام- اطلع على الاسم المركب من اثنين وأربعين حرفا، وبه شق البحر، واتفق له سائر المعجزات.

ولم يجعلوا ذلك قادحا في نبوته، كما توسلوا به إلى جحد نبوة عيسى عليه السلام.

حتى قال بعضهم: موسى أعلمه الله بذلك، وعيسى إنما يعلمه من حيطان بيت المقدس، وهذا من مكابرتهم وبهتهم.

التالي السابق


الخدمات العلمية