صفحة جزء
الأحاديث الواردة في ذم الابتداع في الدين

وعن عائشة - رضي الله عنها - ، قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه ، فهو رد» متفق عليه .

قال بعض أهل العلم : في وصف الأمر بهذا إشارة إلى أن أمر الإسلام كمل [ ص: 21 ] واشتهر ، فمن رام الزيادة عليه ، فقد حاول أمرا غير مرضي . انتهى .

وفي رواية أخرى بلفظ : «من عمل عملا ليس عليه أمرنا ، فهو رد» هذا متفق عليه أيضا من حديثها .

ولأحمد : «من صنع أمرا على غير أمرنا ، فهو مردود» .

قال في «نيل الأوطار» : المراد «بالأمر» هنا : واحد الأمور ، وهو ما كان عليه صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، «والرد» اسم بمعنى اسم المفعول ، كما بينته الراوية الأخرى .

قال في «الفتح» : يحتج به [على] إبطال جميع العقود المنهية ، وعدم وجود ثمراتها المترتبة عليها ، وأن النهي يقتضي الفساد; لأن المنهيات كلها ليست من أمر الدين ، فيجب ردها .

ويستفاد منه : أن حكم الحاكم لا يغير ما في باطن الأمر; لقوله : «ليس عليه أمرنا» ، والمراد به : أمر الدين .

وفيه : أن الصلح الفاسد منتقض ، والمأخوذ عليه مستحق الرد . انتهى .

وهذا الحديث من قواعد الدين; لأنه يندرج تحته من الأحكام ما لا يأتي عليه الحصر .

وما أصرحه وأدله على إبطال ما فعله الفقهاء ، من تقسيم البدع إلى أقسام ، وتخصيص الرد ببعضها ، بلا مخصص من عقل ولا نقل!!

فعليك إذا سمعت من يقول : هذه بدعة حسنة بالقيام في مقام المنع ، مسندا له بهذه الكلية وما يشابهها; من نحو قوله صلى الله عليه وسلم : «كل بدعة ضلالة» طالبا لدليل تخصيص تلك البدعة ، التي وقع النزاع في شأنها بعد الاتفاق على أنها بدعة .

فإن جاءك به ، قبلته وإن كاع ، كنت قد ألقمته حجرا ، واسترحت من المجادلة .

ومن مواطن الاستدلال لهذا الحديث : كل فعل أو ترك وقع الاتفاق بينك وبين خصمك على أنه ليس من أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وخالفك في اقتضائه البطلان [ ص: 22 ] أو الفساد متمسكا بما تقرر في الأصول من أنه لا يقتضي ذلك ، إلا عدم أمر يؤثر عدمه في العدم; كالشرط ووجود أمر يؤثر في العدم; كالمانع ، فعليك بمنع هذا التخصيص الذي لا دليل عليه ، إلا مجرد وجود أمر يؤثر وجوده في العدم كالمانع; لما في حديث الباب من العموم المحيط بكل فرد من أفراد الأمور التي ليست من ذلك القبيل ، قائلا : هذا أمر ليس من أمره ، وكل أمر ليس من أمره رد ، فهذا رد ، وكل رد باطل ، فهذا باطل .

فالصلاة مثلا ، التي ترك فيها ما كان يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أو فعل فيها ما كان يتركه ، ليست من أمره ، فتكون باطلة بنفس هذا الدليل ، سواء كان ذلك الأمر المفعول أو المتروك مانعا باصطلاح أهل الأصول ، أو شرطا ، أو غيرهما ، فليكن منك هذا على ذكر .

قال في «الفتح» : وهذا الحديث معدود من أصول الإسلام ، وقاعدة من قواعده .

فإن معناه : من اخترع من الدين ما لا يشهد له أصل من أصوله ، فلا يلتفت إليه .

قال النووي : هذا الحديث مما ينبغي حفظه واستعماله في إبطال المنكرات ، وإشاعة الاستدلال به كذلك .

وقال الطوفي : هذا الحديث يصلح أن يسمى نصف أدلة الشرع; لأن الدليل يتركب من مقدمتين .

والمطلوب بالدليل : إما إثبات الحكم ، أو نفيه . وهذا الحديث مقدمة كبرى في إثبات كل حكم شرعي ونفيه; لأن منطوقه مقدمة كلية ، مثل أن يقال في الوضوء بماء نجس : هذا ليس من أمر الشرع ، وكل ما كان كذلك ، فهو مردود ، فهذا العمل مردود . فالمقدمة الثانية ثابتة بهذا الدليل ، وإنما يقع النزاع في الأولى .

ومفهومه : أن من عمل عملا عليه أمر الشرع ، فهو صحيح ، فلو اتفق أن يوجد حديث يكون مقدمة أولى في إثبات كل حكم شرعي ونفيه ، لاستقل [ ص: 23 ] الحديثان بجمع أدلة الشرع ، لكن هذا الثاني لا يوجد ، فإذن حديث الباب نصف أدلة الشرع . انتهى كلام «النيل» ، وما أبلغه وأدله على المراد!

التالي السابق


الخدمات العلمية