صفحة جزء
إخبار الرسول بأن هذه الأمة ستصاب بالتشبه والتقليد الأعمى لليهود والنصارى وستفترق كما افترقوا

وعن عبد الله بن عمرو ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «ليأتين على أمتي كما أتى على بني إسرائيل حذو النعل بالنعل» استعارة في التساوي; كمطابقة النعل بالنعل .

وأصل هذا التركيب أنهم إذا يخصفون النعلين يخرصون طاقاتهم ، بعضها على بعض; لتتساوى ، ويقولون : حذوت النعل بالنعل .

[ ص: 42 ] والحذو : بمعنى : الخرص ، وقطع النعل . ويقال أيضا : طابق النعل بالنعل; أي : صارت مثل الأخرى في الموافقة .

والمعنى : أن هذه الأمة توافق الأمة المذكورة في كل شيء حقير ، فضلا عن جليل ، وتتساوى بهم كتساوي إحدى النعلين بالأخرى .

«حتى إن كان منهم من أتى أمه علانية ، لكان في أمتي من يصنع ذلك» . قيل : المراد بذلك : زوج الأب; لأن هذا الفعل مع الأم العينية يمنعه الطبع ، ويمكن هذا في زوج الوالد التي ليست بأم الفاعل; لعدم المانع الطبعي من ذلك ، والله أعلم بما هنالك .

وهذا علم من أعلام النبوة ، وجد مصداقه في بعض هذه الأمة في هذا الزمان وقبله . ونعوذ بالله منه .

«وإن بني إسرائيل تفرقت على اثنتين وسبعين ملة ، وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين ملة» ; أي : في أصول العقائد ، أو مع الفروع .

«كلهم في النار» ; أي : مستحقون لها; لسوء العقيدة . وأما من جهة العمل فيمكن أن تدخل الفرقة الناجية أيضا فيها .

وأما القول بأن ذنوب الفرقة الناجية مغفورة كلها ، فقول لا دليل عليه . «إلا ملة واحدة» ، قالوا : من هي يا رسول الله؟ قال : «ما أنا عليه وأصحابي» رواه الترمذي .

وفي رواية أحمد ، وأبي داود ، عن معاوية : «ثنتان وسبعون في النار ، وواحدة في الجنة ، وهي الجماعة» ; أي : لاجتماعها على كلمة الحق ، وعلى ما أجمع عليه السلف من سواء السبيل ، والصراط المستقيم .

وأخرج أبو داود ، والنسائي ، والترمذي ، وابن ماجه ، والحاكم ، وصححه عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة ، وتفرقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة ، وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة» .

[ ص: 43 ] وعن معاوية مرفوعا نحوه ، عند أحمد ، وأبي داود ، والحاكم ، وزاد : «كلها في النار إلا واحدة ، وهي الجماعة» . .

وأخرج الحاكم أيضا عن ابن عمرو نحوه ، وزاد : «كلها في النار إلا واحدة» ، فقيل له : ما الواحدة؟ قال : «ما أنا عليه اليوم وأصحابي» . .

وأخرج ابن ماجه عن عوف بن مالك نحوه مرفوعا ، وفيه : «فواحدة في الجنة وثنتان وسبعون في النار» ، فقيل : يا رسول الله فمن هم؟ قال : «الجماعة» ، وأخرجه أحمد من حديث أنس ، وفيه : قيل : يا رسول الله! من تلك الفرقة؟ قال : «الجماعة» .

وللحديث ألفاظ وطرق ، بعضها يقوي بعضا .

التالي السابق


الخدمات العلمية