صفحة جزء
إمكان رؤية الله تعالى في الآخرة

وقد استنبط بعض العلماء من هذا الحديث إمكان رؤيته تعالى في الدار الآخرة; لأنها في الدنيا لا تمكن; لكون الحجب الجسمانية متراكمة .

فإذا سقطت تلك الحجب ، طلعت شمس الجمال ، وصار كأنك تراه بمنزلة أنك تراه ، كما ورد بذلك الحديث الصحيح : «سترون ربكم يوم القيامة . . . إلخ» .

وقد وصى صلى الله عليه وسلم في حديث الرؤية بالمحافظة على الصلاة في أول اليوم وآخره; لكونهما ميقات رؤيته تعالى في الجنة .

يعني بذلك : حصول الملكة لشهود الذات العالية ، والاستعداد لرؤيتها البصرية .

وعن أبي هريرة - رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «الإيمان بضع وسبعون شعبة» .

البضع - بكسر الباء وفتحها : اسم العدد من ثلاث إلى عشر ، وشعب الإيمان من الأخلاق والأعمال والواجبات والسنن والمستحبات والآداب أزيد من أن يأتي عليها الحصر .

[ ص: 107 ] وتعين عددها مفوض إلى علم الشارع ، ولعل أصول الأحكام وقواعد الإيمان راجعة إلى هذا العدد .

وورد في بعض الروايات : «بضع وستون» ، ولا تعارض بينهما ، فإنه يصح رجوعها إلى كلا العددين .

فاعتبر مرة ستين ، وأخرى سبعين ، أو أوحي أولا إليه بالستين ، ثم جاء الوحي بالزيادة عليه .

وقال بعض أهل العلم : المراد بهذا العدد : بيان التعدد والتكثير ، لا حصره وتعيينه .

وهذا التأويل يصح في عدد السبعين; لأن ذكرها في بيان معنى التكثير متعارف ، لا في الستين .

مع أن ذكر «البضع» زيادة عليها ، لا يخلو عن منافاة لهذا المعنى ، اللهم إلا أن يكون المقصود المبالغة في التكثير .

وقد تصدى بعض العلماء لبيان شعب الإيمان بالعدد المعين ، وهو تكلف ، بقي كثير من أنواعها وأفرادها من حيطة بيانه .

ومجمل هذه الشعب - مع تجاوزها من حد الحصر والإحصاء - يرجع إلى أصل واحد ، هو تكميل النفس ، وتحصيل السعادة لها في المبدأ والمعاد; باكتساب الكمال العلمي والعملي ، على صحة الاعتقاد والاستقامة في العمل ، كما في الكتاب العزيز : إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا [فصلت : 30] .

وفي الحديث : «قل آمنت بالله ، ثم استقم» . وقد بين صلى الله عليه وسلم مبدأها ومنتهاها بقوله : «فأفضلها : لا إله إلا الله» ; أي : القول [ ص: 108 ] بهذه الكلمة الطيبة والإيمان بها ، «وأدناها : إماطة الأذى عن الطريق» ; أي : ما يؤذي الناس من الشوك والحجر والدنس .

والظاهر : رفع الأذى عنه بعد الوقوع ، فإن لا يلقوه من أول الأمر ، ويتركوا الطرق صافية ، يكون حكم ذلك حكم الإماطة . بل المراد ترك إيذاء الناس مطلقا من غير حق .

قال في الترجمة : وفي الحقيقة هذا رمز إلى ترك الوجود ودعواه; فإنه مبدأ جملة الشرور والقبائح .


بردار خار وسنك زرداين جه رمزبود يعني وجود خودبيميه بردار از ميان

انتهى .

قلت : هذه لطيفة سلوكية صحيحة المراد ، لكن ظاهر الحديث لا يساعدها في هذا الموضع .

«والحياء شعبة من الإيمان» يعني : الاستحياء من ارتكاب المناهي والفواحش شعبة عظمى من شعب الإيمان ، وعمود من عمد الدين ، ولهذا أفرده بالذكر ، وخصصه بالبيان .

التالي السابق


الخدمات العلمية