صفحة جزء
الرد على المعتزلة القائلين بخلود المؤمن العاصي في النار

وليس هذا من هؤلاء بصحيح; لأن التهديدات والوعيدات الواردة في شأن العصاة ، تكفي للإنذار والانزجار ، وإن شاء يعذب على معصية واحدة عذابا غير مجذوذ ، وإن شاء عفا عن معاص لا تتناهى .

وقد ورد أن أدنى مدة عذاب المسلمين الآثمين سبعة آلاف سنة ، مثل عمر الدنيا ، وفي بعض الروايات : سبعون ألف سنة .

قال : وصدور هذه الكلمة بالصدق والإخلاص ، والثبات ، والدوام عليها ، من غير عروض ، مناف ، ومخالف لها ، من الشك والتردد ، ليس بسهل . لا سيما من أهل الفسق والفجور ، المملوءة قلوبهم بالظلمات ، المحشوة بواطنهم من الشبهات ، وهم واقعون في ورطة الاستخفاف والاستحلال ، فإن حصل التصديق اليقيني مع وجود الفسق ويكون صدور المعصية بغلبة الشهوة والنفس ، وكان الخوف والجزع والعزم على التوبة مقارنة بها ، فالرجا من الله سبحانه بمقتضى [ ص: 134 ] وعده الصادق وكرمه الواثق أن يغفر له ، ويعفى عنه ، ويدخله الجنة آخرا ، ولو بعد الجزاء والعذاب والعقاب لمن يشاء ، فإنه يحكم ما يشاء ويفعل ما يريد . انتهى .

قلت : لا ريب أن الإيمان بين الخوف والرجاء . ولكن ينبغي أن يكون خائفا غير آيس ، وراجيا غير آمن ، وأن الله عند ظن عبده به ، كما ورد بذلك الحديث الصحيح .

ولا بد من أن يحسن الظن بالله عند الاحتضار خاصة . اللهم بلغت ذنوبي عنان السماء ، فاغفر لي كلها يا رب الأرض والسماء; فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت ، ولا رب ولا إله سواك .

التالي السابق


الخدمات العلمية