صفحة جزء
ذم علماء السوء

وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إن أناسا من أمتي سيتفقهون في الدين، ويقرؤون القرآن، يقولون: نأتي الأمراء فنصيب من دنياهم، ونعتزلهم بديننا، ولا يكون ذلك، كما لا يجتبى من القتاد إلا الشوك» قال محمد بن الصباح: كأنه يعني: الخطايا، رواه ابن ماجه.

فيه ذم العلماء طالبي الدنيا، ملازمي الأمراء؛ لأنهم جعلوا العلم وسيلة إلى اكتسابها. وهذا الجنس كثير في الناس الفضلاء اليوم.

وقيل: ذلك منذ زمن كثير، وأكثرهم الفقهاء والقراء.

وأما أهل الحديث، فلا تجد واحدا من ألفهم ابتلي بهذا، بل كان غالبهم مجتنبين عن صحبة الأمراء، محترزين عن مجالسهم، قانعين على المقسوم، مقتصرين على العلم رواية ودراية، وعلى العمل صوابا وإخلاصا.

ومن أنكر ذلك، فعليه بكتب التواريخ والسير، وبالموازنة بين الفريقين في وجود هذا الاختلاط وعدمه، وكثرتهم والقلة.

ويدل لهذا الحديث: ما روي عن سفيان: أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- قال لكعب: من أرباب العلم؟ قال: الذين يعملون بما يعلمون قال: فما أخرج العلم عن قلوب العلماء؟ قال: الطمع. رواه الدارمي.

قال في الترجمة: قال الشيخ أبو العباس المرسي: وقعت في ابتداء الأمر بالإسكندرية، واشتريت من رجل كان شيئا بنصف درهم، فخطر بالبال أن هذا [ ص: 257 ] الثمن قليل، لعله لا يأخذه مني، فهتف هاتف «السلامة في الدين بترك الطمع في المخلوقين» انتهى.

وفي حديث الأحوص بن حكيم مرفوعا: «ألا إن شر الشر، شرار العلماء، وإن خير الخير، خيار العلماء» رواه الدارمي.

وفي حديث أبي الدرداء، قال: «إن من أشر الناس عند الله منزلة يوم القيامة عالما لا ينتفع بعلمه» أخرجه الدارمي.

وبالجملة: هذه الأحاديث دلت على أن العلماء قسمان: 1- قسم منهم هو شر، 2- وقسم آخر خير.

وفي هذا رد على من زعم أن العلم لا يكون إلا خيرا، والعلماء كلهم خيار.

بل منهم من هو شر، وهذا الشر هو في الفضلاء المبتدعين أكثر من غيرهم. ومنهم المقلدة.

وفي حديث علي -كرم الله وجهه- مرفوعا: «يوشك أن يأتي على الناس زمان لا يبقى من الإسلام إلا اسمه، ولا يبقى من القرآن إلا رسمه، مساجدهم عامرة وهي خراب من الهدى، علماؤهم شر من تحت أديم السماء، من عندهم تخرج الفتنة، وفيهم تعود» رواه البيهقي في «شعب الإيمان».

وهذا الزمان قد أتى، ووجد مصداق الحديث على الوجه الأتم، لا تزال الفتن تخرج من عند هؤلاء، وفيهم تعود بعد الابتلاء.

وفي حديث زياد بن لبيد، قال: ذكر النبي -صلى الله عليه وسلم- شيئا، فقال: «ذلك عند أوان ذهاب العلم» قلت: يا رسول الله! وكيف يذهب العلم، ونحن نقرأ القرآن ونقرئه أبناءنا، ويقرئه أبناؤنا أبناءهم إلى يوم القيامة؟ فقال: «ثكلتك أمك يا زياد، إن كنت لأراك من أفقه رجل بالمدينة، أوليس هذه اليهود والنصارى يقرؤون التوراة والإنجيل، لا يعملون بشيء مما فيهما؟» رواه أحمد، وابن ماجه، وروى الترمذي عنه نحوه، وكذا الدارمي عن أبي أمامة.

والحديث دليل على أن ذهاب العلم بذهاب العمل. ولا ريب أن العمل قد [ ص: 258 ] ذهب منذ أيام وليال طوال وعراض، وإنما بقي منه الاسم والرسم في طالبي الدنيا، ومن ثم لا بركة فيه.

تراهم يعظون في المساجد والمحلات أعواما، ولا يظهر أثره في أحد، بل في أنفسهم خاصة.


واعظان كين جلوه بر محراب ومنبر مكينند جون نجلوت ميروند آن كارديكر ميكنند



وفي حديث أبي هريرة يرفعه: «إن أول الناس يقضى عليه يوم القيامة، رجل تعلم العلم وعلمه، وقرأ القرآن، فأتي به، فعرفه نعمه فعرفها، قال: فما عملت فيها؟ قال: تعلمت العلم وعلمته، وقرأت فيك القرآن، قال: كذبت، ولكنك تعلمت العلم ليقال: إنك عالم، وقرأت القرآن ليقال: هو قارئ، فقد قيل، ثم أمر به، فسحب على وجهه حتى ألقي في النار» الحديث، رواه مسلم.

وفي الباب أحاديث، لكلها دلالة على أن عذاب العلماء الذين لا يعملون بما علموا أشد، وخزيهم في العقبى أزيد.

التالي السابق


الخدمات العلمية