صفحة جزء
إطلاق لفظ الأخ والصديق

وأقول: فيه صحة إطلاق لفظ «الأخ» و «الصاحب» على الصديق الصديق -رضي الله عنه- وهو يقتضي صحة إطلاقهما من جانبه على النبي صلى الله عليه وسلم. ولهذا قال بعض الصحابة -منهم أبو هريرة في غير حديث-: قال خليلنا، [ ص: 404 ] وأراد به رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وكذا أطلقوا عليه لفظ «الصاحب». فمن زعم أن في إطلاق هذه الألفاظ ولفظ الأخ عليه -صلى الله عليه وسلم- إساءة أدب معه، فقد أخطأ وأبعد.

وعن عائشة، قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في مرضه: «ادعي لي أبا بكر أباك وأخاك»؛ أي: عبد الرحمن «حتى أكتب كتابا، فإني أخاف أن يتمنى متمن، ويقول قائل: أنا، ولا». أي: أنا أستحق للخلافة، ولا يكون مستحقا لها مع وجود أبي بكر، كما يدل عليه قوله: « ويأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر » خلافا للمنافقين والرافضة في أمر الخلافة. رواه مسلم . وفي كتاب الحميدي : «أنا أولى» بدل «أنا ولا». قال عياض : هذه الرواية أولى وأجود.

وفي حديث جبير بن مطعم، قال: «أتت النبي -صلى الله عليه وسلم- امرأة، فكلمته في شيء، فأمرها أن ترجع إليه، قالت: يا رسول الله! أرأيت إن جئت ولم أجدك؟ كأنها تريد الموت، قال: «فإن لم تجديني، فأتي أبا بكر متفق عليه.

فيه الإشارة إلى خلافته -رضي الله عنه- ولكن ليس نصا قطعيا، ولكنه يدل على فضله ومنقبته. وجمهور العلماء على أنه لا نص في الاستخلاف في جانب، وصحت خلافة الصديق بإجماع الصحابة . ولكن ادعى الشيخ ابن الهمام في «المسايرة» التنصيص على خلافته وأثبته، والله أعلم. وأقول: يكفي في صحتها أن الله اختاره بعد نبيه، ولا يقع شيء إلا بإرادته ومشيئته. ومن زعم أن الله لم يرد ذلك، وهو صار خليفة بإرادة نفسه، وغصب حق أحد فيها، فهو أجهل من حمار أهله، وأحمق من ذباب داره.

[ ص: 405 ] وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «ما لأحد عندنا يد -أي: نعمة وإحسان- إلا وقد كافيناه -من المكافأة والمجازاة- ما خلا أبا بكر، فإن له عندنا يدا، يكافئه الله بها يوم القيامة».

قال في «الترجمة»: هذا غاية المبالغة في التكريم والامتنان منه -صلى الله عليه وسلم- له -رضي الله عنه- وإلا فرسول الله -صلى الله عليه وسلم- مننه ونعمه على كل أحد لا يستطيع أحد أن ينكرها، وما حقيقة الخدمات والنعم من الأمة في جنبها؟ وما نفعني مال أحد قط ما نفعني مال أبي بكر»؛ لأنه جاء بكل مال كان في بيته، ولم يغادر شيئا. الحديث رواه الترمذي .

وفي حديث عمر الفاروق، قال: أبو بكر سيدنا، وخيرنا، وأحبنا إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم. أخرجه الترمذي أيضا.

وعن ابن عمر يرفعه: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لأبي بكر: « أنت صاحبي في الغار -أي: غار ثور- وصاحبي على الحوض أخرجه الترمذي . فمن أنكر هذا الحديث، وأصله في القرآن، فقد أنكر الكتاب والسنة، وكذب الله ورسوله في قولهما. ونعوذ بالله منه.

وعن عائشة، قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «لا ينبغي لقوم فيهم أبو بكر أن يؤمهم غيره رواه الترمذي، وقال: هذا حديث غريب، والغريب من أقسام الصحيح. وفيه دليل على فضله -رضي الله عنه- في الدين على جميع الصحابة، فكان تقديمه في الخلافة أيضا أولى وأفضل، ولهذا قال سيدنا علي المرتضى: قدمك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في أمر ديننا، فمن الذي يؤخرك في دنيانا؟ قال في الترجمة: قاله في مرض الموت.

وعنها قالت: بينا رأس رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في حجري، في ليلة ضاحية، إذ قلت: يا رسول الله! هل يكون لأحد من الحسنات عدد نجوم السماء؟ قال: «نعم، عمر» قلت: فأين حسنات أبي بكر؟ قال: «إنما جميع حسنات عمر كحسنة واحدة من حسنات أبي بكر رواه رزين .

[ ص: 406 ] وهذه فضيلة لا يساويها فضيلة، ومزية لا توازيها مزية. ويوضحه حديث عمر - رضي الله عنه، قال: أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن نتصدق، ووافق ذلك عندي مالا، فقلت: اليوم أسبق أبا بكر، إن سبقته يوما، قال: فجئت بنصف مالي، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «ما أبقيت لأهلك؟»، فقلت: مثله، وأتى أبو بكر بكل ما عنده، فقال: «يا أبا بكر! ما أبقيت لأهلك؟» فقال: أبقيت لهم الله ورسوله، قلت: لا أسبقه إلى شيء أبدا . رواه الترمذي، وأبو داود.

وفي حديث عائشة : أن أبا بكر دخل على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: «أنت عتيق الله من النار» ، فيومئذ سمي: عتيقا. رواه الترمذي .

التالي السابق


الخدمات العلمية