صفحة جزء
منقبة عبد الرحمن بن عوف -رضي الله عنه-

عن عائشة : أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يقول لنسائه: « إن أمركن يهمني من بعدي »؛ أي: ماذا يكون حالكن، وماذا يعامل الناس معكن، هل يتكفلون ويتصدقون لمهمات معيشتكن؟ ويوفقون لذلك أم لا؟ «ولن يصبر عليكن»؛ أي: على بلاء مؤونتكن «إلا الصابرون الصديقون»؛ أي: لا يصبر عليكن، ولا يتفقد أحوالكن إلا من هو كامل في الصبر، والصبر عادته. ومن هو كامل في صدق المعاملة، وأداء الحقوق. «قالت عائشة : يعني: المتصدقين. تعني أن المراد بالصديقين الذي يؤتون الصدقة ويفعلون الخير؛ لأن الكلام سيق في نفقاتهن، ثم قالت عائشة لأبي سلمة بن عبد الرحمن : سقى الله أباك من سلسبيل الجنة: اسم عين في الجنة.

وفي «القاموس»: هو خمر الجنة، ومعناه: الماء البارد العذب السائغ، والخمر الخالص الصافي من الأكدار والأقذار.

قال الطيبي : زيدت الياء فيه لتصير الكلمة خماسية، وتدل على غاية السلاسة.

وكان ابن عوف قد تصدق على أمهات المؤمنين بحديقة بيعت بأربعين ألفا من الدراهم أو الدينار، رواه الترمذي .

والحديث دل على فضيلة عبد الرحمن، وأن النبي -صلى الله عليه وسلم- وصفه بهذين الوصفين: 1 - الصبر. 2- والتصدق لمرضاة الله.

وفي حديث أم سلمة : سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول لأزواجه: « إن الذي يحثو عليكن »؛ أي: يعطيكن بيديه، ويجود وينثر أموالا « بعدي هو الصادق البار، [ ص: 444 ] اللهم اسق عبد الرحمن بن عوف من سلسبيل الجنة » رواه أحمد . قيل: هذا دعاء منه -صلى الله عليه وسلم-، ومعجزة له، والظاهر أنه من كلام أم سلمة، والله أعلم.

وعن عمر -رضي الله عنه-، قال: ما أحد أحق بهذا الأمر من هؤلاء النفر الذين توفي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو عنهم راض، فسمى عليا، وعثمان، والزبير، وطلحة، وسعدا، وعبد الرحمن . أي: عد بأسمائهم، ولم يذكر أبا عبيدة بن الجراح الذي قال فيه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: « إنه أمين هذه الأمة »؛ لأنه قد مات قبل ذلك، ولا سعيد بن زيد؛ لقرابته منه؛ لأنه ابن عمه، وزوج أخته، مبالغة في التبري، مع أنه، وكذا أبو عبيدة من العشرة المبشرة بالجنة، والمقصود استخلاف أحد من هؤلاء. وقيل: إن عمر ذكره فيمن رضي عنهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ولكن لم يدخله في أهل الشورى. رواه البخاري . وفيه فضيلة ظاهرة لعبد الرحمن، وأي فضيلة.

التالي السابق


الخدمات العلمية