صفحة جزء
منقبة عائشة الصديقة -رضي الله عنها-

عن عائشة -رضي الله عنها-: أن جبريل -عليه السلام- جاء بصورتها في خرقة حرير خضراء إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقال: « هذه زوجتك في الدنيا والآخرة » رواه الترمذي .

قال في «الترجمة» هاهنا بشارة لعائشة بالجنة، وكذلك جميع الأزواج المطهرات من أهلها، كما يعلم من الأحاديث الأخرى. [ ص: 472 ] وعائشة خصت من بينهن بهذا التنصيص، قبل أن تدخل في زمرتهن بالنكاح، فكانت هذه فضيلة ومزية لها. ويزيده إيضاحا، ما ورد في حديث آخر عنها، قالت: قال لي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: « أريتك في المنام ثلاث ليال، جاء بك الملك في خرقة من حرير، فقال لي: هذه امرأتك، فكشفت عن وجهك الثوب، فإذا أنت هي، فقلت: إن يكن هذا من عند الله، يمضه » متفق عليه.

وفي حديث أم سلمة : أن عائشة قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: يا عائش! هذا جبريل يقرئك السلام»، قالت: وعليه السلام ورحمة الله، قالت: وهو يرى ما لا أرى. متفق عليه.

وعنها -رضي الله عنها- قالت: «إن الناس كانوا يتحرون بهداياهم يوم عائشة يبتغون بذلك مرضاة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وقالت: إن نساء رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كن حزبين: فحزب فيه عائشة وحفصة، وصفية، وسودة، والحزب الآخر أم سلمة وسائر نساء النبي -صلى الله عليه وسلم- فكلم حزب أم سلمة، فقلن لها: كلمي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، يكلم الناس فيقول: من أراد أن يهدي إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فليهده إليه حيث كان، فكلمته، فقال لها: «لا تؤذيني في عائشة، فإن الوحي لم يأتني وأنا في ثوب امرأة إلا عائشة »، قالت: أتوب إلى الله من ذاك يا رسول الله، ثم إنهن دعون فاطمة، فأرسلن إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فكلمته، فقال: «يا بنية! ألا تحبين ما أحب؟»، قالت: بلى، قال: «فأحبي هذه متفق عليه.

فيه فضيلة عائشة، وأي فضيلة لا تتصور فوقها للنساء! وهي إتيان الوحي في يومها، وإرشاد النبي -صلى الله عليه وسلم- ابنته الشريفة بحبها، بإثبات حبه لها. وهذه فرقة الرافضة، لحاهم الله تعالى، كيف يسيئون الأدب فيها، ويذكرونها بما هم أحق به منها، وقد نزل القرآن ببراءتها، مما رماه به جماعة. فمن اعتقد فيها سوءا، وذكرها بسوء، فهو كافر بنص الكتاب، وأدلة السنة الصحيحة الصريحة المحكمة، لا شك في كفره وضلاله، نعوذ بالله منه.

[ ص: 473 ] وعن أبي موسى -رضي الله عنه- عن النبي-صلى الله عليه وسلم- قال: «كمل من الرجال كثير، ولم يكمل من النساء إلا مريم بنت عمران، وآسية امرأة فرعون، وفضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام» متفق عليه.

فيه: أن لها فضلا على سائر أزواج النبي -صلى الله عليه وسلم -بعد خديجة عليها السلام-؛ لأنها توفيت قبل نكاحها، وبعد فاطمة -عليها السلام-؛ لأنها من البنات، لا من نسائه -صلى الله عليه وسلم-، ويدل لذلك لفظ الحديث وسياقه؛ فإنه -صلى الله عليه وسلم- شبه فضلها بفضل الثريد، الذي هو من جنس الأطعمة، والنساء طعام الرجال، وليست هذه الحالة لغير الأزواج، فالتشبيه مقصور فيهن بعدهما، وهو الراجح الصحيح، وبه قال أهل العلم، وإليه نحا السيد غلام علي آزاد الحسيني البلجرامي -رحمه الله- في رسالته «سند السعادات في حسن خاتمة السادات»، والله أعلم بالصواب.

وقد اختلف أهل العلم في تعداد أزواج النبي -صلى الله عليه وسلم- وترتيبهن، وعدد المتوفيات منهن قبله -صلى الله عليه وسلم- وبعده، واللاتي دخل بهن ولم يدخل بهن، ومن خطبها ولم تمكن، ومن عرضت نفسها عليه فقبل أو لم يقبل. قال في «الترجمة»: أولاهن خديجة، ثم سودة بنت زمعة، ثم عائشة الصديقة، ثم حفصة، ثم زينب بنت خزيمة، ثم أم سلمة، ثم زينب بنت جحش، ثم أم حبيبة بنت أبي سفيان أخت معاوية، ثم جويرية، ثم ميمونة، ثم صفية، ثم ريحانة، ثم مارية أم إبراهيم . انتهى.

وأحوال هذه النساء المباركات مع تحقيق أسمائهن وأسماء آبائهن مذكورة في كتاب «الجوائز والصلات في بيان الأسماء والصفات»، و «المواهب المدنية»، وغيرهما.

التالي السابق


الخدمات العلمية