صفحة جزء
حكاية ما شاهده الرحالة ابن بطوطة من خوارق العادات في الهند

والسحر يفعل أعظم من هذا،
فإنه قد ذكر ابن بطوطة وغيره، أنه شاهد في بلاد الهند قوما توقد لهم النار العظيمة، فيلبسون الثياب الرقيقة، ويخوضون في تلك النار ويخرجون، وثيابهم كأنها لم يمسها شيء. انتهى.

قلت: ويقال لهذا القوم في اصطلاحهم وعرفهم: الأبدال، وكان منهم في زماننا هذا في بلدة « قنوج» من بلاد الهند، ثم انقرضوا. انتهى.

ثم ذكر ابن بطوطة أنه رأى إنسانا عند بعض ملوك الهند، أتى بولدين معه، ثم قطعهما عضوا عضوا، ثم رمى بكل عضو إلى جهة فرقا، حتى لم ير أحد شيئا من تلك الأعضاء، ثم صاح وبكى، فلم يشعر الحاضرون إلا وقد نزل كل عضو على انفراده، وانضم إلى الآخر حتى قام كل واحد على عادته حيا سويا. ذكر هذا في رحلته، وهي رحلة بسيطة قد اختصرت، طالعتها بمكة عام ست وثلاثين ومائة وألف، وأملاها علينا العلامة مفتي الحنفية في المدينة المنورة السيد محمد أسعد - رحمه الله تعالى -. انتهى.

قلت: وقد وقفت عليها أيضا، وهي في خزانة كتبنا ولله الحمد.

ثم قال: وفي «الأغاني» لأبي الفرج الأصفهاني بسنده: أن ساحرا كان عند الوليد بن عقبة، فجعل يدخل في جوف بقرة ويخرج، فرآه جندب -رضي الله عنه-، فذهب إلى بيته، فاشتمل على سيفه، فلما دخل الساحر في البقرة، قال: أفتأتون السحر وأنتم تبصرون [الطور: 15]؟ ثم ضرب وسط البقرة، فقطع الساحر، فانذعر الناس، فسجنه الوليد، وكتب بذلك إلى عثمان -رضي الله عنه-. [ ص: 542 ] وكان على السجن رجل نصراني، فلما رأى جندبا يقوم الليل ويصبح صائما، قال النصراني: والله! إن قوما هذا شرهم لقوم صدق. فوكل بالسجن رجلا، ودخل الكوفة، وسأل عن أفضل أهلها، فقالوا: الأشعث بن قيس، فاستضافه، فرأى الأشعث ينام الليل، ثم يصبح فيدعو بغدائه. فخرج من عنده، وسأل أهل الكوفة، فقالوا: جرير بن عبد الله، فوجده ينام الليل، ثم يصبح فيدعو بغدائه. فاستقبل القبلة، فقال: ربي رب جندب، وديني دين جندب.

وأخرجها البيهقي في «السنن الكبرى» بمغايرة في القصة، فذكر بسنده إلى أبي الأسود: أن الوليد بن عقبة كان بالعراق يلعب بين يديه ساحر، فكان يضرب رأس الرجل، ثم يصيح، فيقوم خارجا، فيرد إليه رأسه، فقال الناس: سبحان الله، يحيي الموتى؟! ورآه رجل من صالحي المهاجرين، فلما كان من الغد، اشتمل على سيفه والساحر يلعب لعبه ذلك، فاخترط الرجل سيفه، وضرب عنقه، وقال: إن كان صادقا، فليحيي نفسه. فأمر به الوليد دمار السجن، فسجنه. انتهى.

بل أعجب من هذا ما أخرجه الحافظ أبو بكر بإسناده في قصة طويلة، وفيها: أن امرأة تعلمت السحر من الملكين ببابل هاروت وماروت، وأنها أخذت قمحا، فقالت -بعد أن ألقته في الأرض-: اطلع، فطلع، فقالت: أحقل، فأحقل، ثم تركته، ثم قالت: ايبس، فيبس، ثم قالت: اطحن، فطحن، ثم قالت: اختبز، فاختبز، وكانت لا تريد شيئا إلا كان. انتهى.

وأقول: الحكايات والواقعات من هذا الجنس كثير، وأهلها في الهند وغيره أيضا كثيرون.

[ ص: 543 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية