صفحة جزء
الفرق بين التقليد والاتباع

قال تعالى: فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون . قال ابن زيد: أراد بالذكر القرآن. وليس فيه دليل على جواز التقليد واتخاذ الرأي دينا ومذهبا ومرجعا، بل فيه إشارة -كما قال الأصفهاني- إلى أن وظيفة الجاهل بمعاني الكتاب والسنة، إذا نزل عليه نازلة: أن يفزع إلى العالم بالكتاب والسنة، فيسأله عن حكم الله تعالى ورسوله في هذه النازلة، فإذا أخبره عالم بحكم الله ورسوله بما فيهما، يعمل بما أخبره في هذه النازلة، متبعا للكتاب والسنة في الجملة، مصدقا للعالم بهما في إخباره في الجملة، وإن لم يكن عالما بوجه الدلالة، فلا يصير بهذا المقدار مقلدا، ألا ترى لو ظهر له أن ما أخبره العالم ليس موافقا لهما، لرجع إليهما، ولا يتعصب لهذا المخبر.

بخلاف المقلد; فإنه لا يسأل عن حكم الله ورسوله، وإنما يسأل عن مذهب إمامه، ويفتيه المفتي به، ولو ظهر له أن مذهب إمامه مخالف لكتاب الله وسنة رسوله، لم يرجع إليهما.

والمتبع إنما يسأل عن حكم الله ورسوله، ولا يسأل عن رأي آخر ومذهبه، ويفتيه العالم بما فيهما، فيتبعه، وهذا قبول الرواية منه لا قبول الرأي.

والأول: هو الاتباع، والثاني: هو التقليد والابتداع.

[ ص: 160 ] ولو وقعت له نازلة أخرى لا يلزمه أن يسأل العالم الأول عنه، بل أي عالم لقيه ووجده.

ولا يلزم أن يتعبد برأي الأول، أو يتعصب له وينصره، بحيث لو علم أن نص كتاب أو سنة خالف ما أفتاه به لا يلتفت إليه.

فهذا هو الفرق بين التقليد الذي عليه المتأخرون، وبين الاتباع الذي كان عليه السلف الصالح الماضون.

تحذير المحققين من المحدثين

من أحاديث الفقهاء وتحميلات الشيوخ

قال الإمام محمد بن أحمد المقرئ في "قواعده": حذر الناصحون من أحاديث الفقهاء، وتحميلات الشيوخ، وتخريجات المتفقهين، وإجماعات المقلدين.

وقال بعض العلماء: احذر أحاديث عبد الوهاب، والغزالي، وإجماعات ابن عبد البر، واتفاقات ابن رشد، واحتمالات الباجي، واختلافات اللخمي. اهـ.

التالي السابق


الخدمات العلمية