صفحة جزء
[ ص: 421 ] بيان حكم إطلاق كلمة "السيد" على غير الله تعالى

وعن مطرف بن عبد الله بن الشخير، قال: انطلقت في وفد بني عامر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلنا: أنت سيدنا، فقال: "السيد الله" الحديث رواه أبو داود. وقد تقدم بشرحه في هذا الكتاب.

وفي آخره: "ولا يستجرينكم الشيطان" .

وبالجملة: فيه دلالة على المنع من إفراط التعظيم فيما بينهم، ولكن ورد من الأدلة - بعد هذا - ما يدل على جواز إطلاق هذا اللفظ. ذكره الشوكاني في "الفتح الرباني" ، وأقام عليه أربع عشرة حجة، لا نطول بذكرها جميعا.

منها: ما صح عنه صلى الله عليه وسلم: أنه قال: "أنا سيد ولد آدم" ، وهذا يفيد أنه سيد الأحياء والأموات منهم.

والمراد بما في حديث الباب: أن الفرد المطلق في السيادة، هو الله تعالى، كما يدل على ذلك آلة التعريف في "السيد" ; فإنها في مثل هذا المقام تفيد الحصر، والحصر ادعائي لقصد المبالغة، لا حقيقي.

وإنما قال هذا لوفد بني عامر; لأنه قد فهم من مقصدهم أنهم أرادوا بالسيد: المعنى الذي لا يصح إطلاقه على البشر، ولم يريدوا به المعنى الذي يطلقه البشر على الأنبياء وغيرهم، ويؤيده ما قاله لهم من بعد: "ولا يستجرينكم الشيطان" ، وفي رواية: "ولا يستهوينكم الشيطان" .

ومنها: قوله صلى الله عليه وسلم في الحسن والحسين: "إنهما سيدا شباب أهل الجنة" ، و "أبو بكر وعمر سيدا كهول أهل الجنة" ، و "إن ابني هذا سيد، يصلح الله به بين الفئتين" و "قوموا إلى سيدكم" ، وقال لقيس بن عاصم: "هذا سيد أهل الوبر" ، وهو إذ ذاك مشرك.

وقوله: "كل بني آدم سيد، فالرجل سيد أهل بيته، والمرأة سيدة أهل بيتها" .

[ ص: 422 ] وقوله للأوس: "انظروا إلى سيدكم ما يقول" ، وقوله صلى الله عليه وسلم: "لا تقولوا للمنافق: سيد" .

ومن تتبع، وجد أضعاف ذلك، بل قد صرح بذلك الكتاب العزيز، قال تعالى: وسيدا وحصورا [آل عمران: 39]، فهذا فيه إطلاق لفظ "السيد" على البشر.

وقد جرى على ألسن الصحابة والتابعين وتابعيهم من إطلاق ذلك على البشر نظما ونثرا، ما لا يأتي عليه الحصر.

قال في "النهاية" : "السيد" يطلق على الرب، والمالك، والشريف، والفاضل، والكريم، والحليم، ومتحمل أذى قومه، والزوج، والرئيس، والمقدم، والله أعلم.

وبالجملة: لا شك في جواز إطلاقه على غيره سبحانه.

وأما إذا أراد به معنى لا يصح في حق البشر; كما في حديث الباب، فهو من باب الإفراط في التعظيم المنهي عنه.

التالي السابق


الخدمات العلمية