السياسة الشرعية في إصلاح الراعي والرعية

ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

صفحة جزء
[ ص: 64 ] وكثيرا ما يقع الظلم من الولاة والرعية : هؤلاء يأخذون ما يحل ، وهؤلاء يمنعون ما يجب ، كما قد يتظالم الجند والفلاحون ، وكما قد يترك بعض الناس من الجهاد ما يجب ، ويكنزه الولاة من مال الله ، مما لا يحل كنزه ، وكذلك العقوبات على أداء الأموال ، فإنه قد يترك منها ما يباح أو يجب ، وقد يفعل ما لا يحل .

والأصل في ذلك : أن كل من عليه مال يجب أداؤه ، كرجل عنده وديعة ، أو مضارة ، أو شركة ، أو مال لموكله ، أو مال يتيم ، أو مال وقف ، أو مال لبيت المال ، أو عنده دين ، هو قادر على أدائه ، فإنه إذا امتنع من أداء الحق الواجب من عين أو دين ، وعرف أنه قادر على أدائه ، فإنه يستحق العقوبة ، حتى يظهر المال أو يدل على موضعه فإذا عرف المال ، وصير في الحبس فإنه يستوفي الحق من المال ، ولا حاجة إلى ضربه به ، وإن امتنع من الدلالة على مال ومن الإيفاء ، ضرب حتى يؤدي الحق أو يمكن من أدائه ، وكذلك لو امتنع من أداء النفقة الواجبة عليه مع القدرة عليها ; لما روى عمر بن الشريد عن أبيه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، أنه قال : { لي الواجد يحل عرضه وعقوبته . } رواه أهل السنن [ ص: 65 ]

وقال صلى الله عليه وسلم { مطل الغني ظلم } أخرجاه في الصحيحين واللي هو المطل والظالم يستحق العقوبة والتعزير وهذا أصل متفق عليه : أن كل من فعل محرما ، أو ترك واجبا ، استحق العقوبة ، فإن لم تكن مقدرة بالشرع كان يجتهد تعزيرا فيه ولي الأمر ، فيعاقب الغني المماطل بالحبس ، فإن أصر عوقب بالضرب ، حتى يؤدي الواجب ، وقد نص على ذلك الفقهاء من أصحاب مالك والشافعي وأحمد وغيرهم رضي الله عنهم عنهم ولا أعلم فيه خلافا .

وقد روى البخاري في صحيحه عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما { أن النبي صلى الله عليه وسلم لما صالح أهل خيبر على الصفراء والبيضاء والسلاح ، سأل بعض اليهود ، وهو سعية عم حيي بن أخطب ، عن كنز مال حيي بن أخطب [ ص: 66 ] فقال : أذهبته النفقات والحروب ، فقال : العهد قريب ، والمال أكثر من ذلك فدفع النبي صلى الله عليه وسلم سعية إلى الزبير ، فسمه بعذاب ، فقال : قد رأيت حييا يطوف ; في خربة هاهنا ، فذهبوا فطافوا ، فوجدوا المسك في الخربة } ، وهذا الرجل كان ذميا ، والذمي لا تحل عقوبته إلا بحق ، وكذلك كل من كتم ما يجب إظهاره من دلالة واجبة ونحو ذلك ، يعاقب على ترك الواجب .

التالي السابق


الخدمات العلمية