السياسة الشرعية في إصلاح الراعي والرعية

ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

صفحة جزء
[ ص: 150 ] الفصل السابع المعاصي التي ليس فيها حد مقدر وبيان الحد الشرعي

وأما المعاصي التي ليس فيها حد مقدر ولا كفارة ، كالذي يقبل الصبي والمرأة الأجنبية ، أو يباشر بلا جماع ، أو يأكل ما لا يحل كالدم والميتة ، أو يقذف الناس بغير الزنا ، أو يسرق من غير حرز ، أو شيئا يسيرا ، أو يخون أمانته ، كولاة أموال بيت المال أو الوقف ، ومال اليتيم ونحو ذلك ، إذا خانوا فيها ، كالولاة والشركاء ، إذا خانوا ، أو يغش في معاملته ، كالذين يغشون في الأطعمة والثياب ونحو ذلك ، أو يطفف المكيال والميزان ، أو يشهد الزور ، أو يلقن شهادة الزور ، أو يرتشي في حكمه ، أو يحكم بغير ما أنزل الله ، أو يعتدي على رعيته ، أو يتعزى بعزاء الجاهلية ، أو يلبي داعي الجاهلية ، إلى غير ذلك من أنواع المحرمات فهؤلاء يعاقبون تعزيرا وتنكيلا وتأديبا ، بقدر ما يراه الوالي ، على حسب كثرة ذلك الذنب في الناس وقلته ، فإذا كان كثيرا زاد في العقوبة ، بخلاف ما إذا كان قليلا ، وعلى حسب حال المذنب ، فإذا كان من المدمنين على الفجور ، زيد في عقوبته ، بخلاف المقل من ذلك ، وعلى حسب كبر الذنب وصغره ، فيعاقب من يتعرض لنساء الناس وأولادهم ، [ ص: 151 ] ما لا يعاقبه من لم يتعرض إلا لمرأة واحدة ، أو صبي واحد وليس لأقل التعزير حد ، بل هو بكل ما فيه إيلام الإنسان ، من قول وفعل وترك قول ، وترك فعل ، فقد يعزر الرجل بوعظه وتوبيخه والإغلاظ له ، وقد يعزر بهجره وترك السلام عليه حتى يتوب إذا كان ذلك هو المصلحة ، كما { هجر النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه الثلاثة الذين خلفوا }

وقد يعزر بعزله عن ولايته ، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه يعزرون [ ص: 152 ] بذلك ، وقد يعزر بترك استخدامه في جند المسلمين ، كالجندي المقاتل ، إذا فر من الزحف ، فإن الفرار من الزحف من الكبائر ، وقطع خبزه نوع تعزير له ، وكذلك الأمير إذا فعل ما يستعظم فعزله من الإمارة تعزير له .

وكذلك قد يعزر بالحبس ، وقد يعزر بالضرب ، وقد يعزر بتسويد وجهه وإركابه على دابة مقلوبا ، كما روي عن عمر بن الخطاب ، أنه أمر بذلك في شاهد الزور ، فإن الكاذب سود الوجه ، فسود وجهه ، وقلب الحديث ، فقلب ركوبه .

وأما أعلاه ، فقد قيل : " لا يزاد على عشرة أسواط " .

وقال كثير من العلماء : لا يبلغ به الحد ثم هم على قولين : منهم من يقول : " لا يبلغ به أدنى الحدود " : لا يبلغ بالحر أدنى حدود الحر ، وهي الأربعون أو الثمانون ; ولا يبلغ بالعبد أدنى حدود العبد ، وهم العشرون أو الأربعون وقيل : بل لا يبلغ بكل منهما حد العبد .

ومنهم من يقول : لا يبلغ بكل ذنب حد جنسه وإن زاد على جنس آخر ، فلا يبلغ بالسارق من غير حرز قطع اليد ، وإن ضرب أكثر من حد القاذف ، ولا يبلغ بمن فعل ما دون الزنا حد الزنا ، وإن زاد على حد القاذف .

كما روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه : " أن رجلا نقش على خاتمه ، وأخذ بذلك من بيت المال ، فأمر به فضرب مائة ضربة ثم في اليوم الثاني مائة ضربة ثم ضربه في اليوم الثالث مائة ضربة [ ص: 153 ]

وروي عن الخلفاء الراشدين ، في رجل وامرأة وجدا في لحاف : " يضربان مائة "

وروي { عن النبي صلى الله عليه وسلم ، في الذي يأتي جارية امرأته ، إن كانت أخلتها له : جلد مائة ، وإن لم تكن أخلتها له : رجم } وهذه الأقوال في مذهب أحمد وغيره ، والقولان الأولان في مذهب الشافعي ، وغيره .

التالي السابق


الخدمات العلمية