صفحة جزء
[ ص: 2426 ] فصل [في صفة اللعان للرؤية، ولنفي الحمل]

واختلف في صفة اللعان للرؤية، ولنفي الحمل، فأما الرؤية فأحسن ذلك أن يقول: أشهد بالله الذي لا إله إلا هو، إني لمن الصادقين، لرأيتها تزني زنا كالمرود في المكحلة، يقول ذلك أربع مرات، ثم يقول في الخامسة: لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين.

ثم تقول المرأة: أشهد بالله الذي لا إله إلا هو إنه لمن الكاذبين، وما رآني أزني، تقول ذلك أربع مرات، ثم تقول في الخامسة: إن غضب الله عليها إن كان من الصادقين، ويستحب أن توقف المرأة عند الخامسة، لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - عند الخامسة "أقيموها فإنها موجبة".

وقد اختلف في هذه الجملة في ثلاثة مواضع:

أحدها: إذا قال: أشهد بالله، ولم يزد، أو أقسم بالصفة، فقال: أشهد بعلم الله، أو قال: أقسم بالله، ولم يقل: أشهد، أو قال: أشهد بالرحمن، ولم يقل: بالله.

والثاني: إذا لم يقل: إني لمن الصادقين، أو جعل مكان ذلك إن كنت كذبت عليها، أو جعل مكان اللعنة الغضب، أو جعل مكان الغضب اللعنة. [ ص: 2427 ]

والثالث: إذا لم يقيد الزوج لعانه، فيقول: كالمرود في المكحلة، فقال في المدونة: يقول أشهد بالله، وفي كتاب الأقضية من كتاب محمد: يزيد: الذي لا إله إلا هو.

وهو أبين؛ لأن العمل على ذلك في الأيمان، في الأموال، واللعان أعظم حرمة، فإن لم يفعل أجزأه عند مالك ولم يجزئه عند أشهب، وكذلك إذا حلف بالصفة، فقال مالك في كتاب محمد: يقول: أشهد بعلم الله، وعلى أصل أشهب: لا يجزئه؛ لأنه قال: إذا حلف في الأموال، فقال: والله، ولم يزد أو قال: والذي لا إله إلا هو، لم يجزئه، والحالف بالله الذي لا إله إلا هو حالف بالذات عنده، فإذا لم يجزئه اليمين عنده بالله لم يجزئه اليمين بالصفة.

وفي شرح الرسالة: إذا جعل مكان أشهد أقسم، أو مكان قوله: بالله بالرحمن، قال: النظر يقتضي أنه لا يجوز إلا ما نص عليه. وهذا خلاف لقول مالك؛ لأنه أجاز اللعان بالصفة أن يقول: أشهد بعلم الله.

وأرى: إذا حلف بالذات بأي أسمائه حلف أجزأه، وهو المراد بالقرآن أن يحلف به، وليس أنه مقصور على ذلك الاسم، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "من كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت" ولا يختلف أن الحالف بالرحمن حالف بما [ ص: 2428 ] يجوز له، وداخل فيما أباح النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يحلف به، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول في قسمه: "لا ومقلب القلوب"، وأجاز في المدونة ألا يثبت في لعانه: إني لمن الصادقين، وأثبت ذلك في كتاب محمد وهو أحسن لورود القرآن به، وفي البخاري، قال: أمرهما النبي - صلى الله عليه وسلم -: أن يتلاعنا بما في القرآن.

وفي كتاب محمد: إذا جعلت مكان: "إن كان من الصادقين"، "إنه لمن الكاذبين" أجزأها، وقال أبو محمد عبد الوهاب: إذا جعل مكان اللعنة الغضب أو مكان الغضب اللعنة، النظر يقتضي ألا يجوز لمخالفتهما القرآن. [ ص: 2429 ]

وأجاز في المدونة أن يقتصر على القول: لرأيتها، وقال مالك في كتاب محمد: يقول كما يقول الشهود، ويوقف على ذلك، وقال أصبغ: يقول ذلك في كل مرة كالمرود في المكحلة.

وهو أحسن؛ لأن أيمانه بمنزلة الشهادة توجب رجمها متى نكلت، فوجب أن يثبت في لعانه ما تثبت البينة؛ لأنه لو قال: لرأيته عليها أو مضاجعها لم يوجب رجمها، فقد يريد بقوله ذلك القدر، وليس عليها أن تثبت ذلك في لعانها، وقولها: ما رآني أزني كاف.

واختلف إذا بدأت المرأة باللعان، قبل الرجل، فقال ابن القاسم في كتاب محمد: يجزئها، وليس عليها أن تعيد اللعان ثانية بعد لعان الرجل، وقال أشهب: تعيد الأيمان بعد لعان الرجل، وكذلك في الحقوق إذا بدأ الطالب ثم علم أن اليمين على المطلوب.

يريد: ثم نكل المطلوب، أن اليمين ترد على الطالب.

وقول أشهب في اللعان أبين؛ لأن أيمان الرجل كالشهادة عليها بالزنى، فليس تسقط بأيمانها بينة لم تشهد عليها بعد، ولأنها تحلف أنه لمن الكاذبين في أيمانها.

التالي السابق


الخدمات العلمية