صفحة جزء
فصل [في هل يرث الزوج زوجته بعد انقضاء عدتها المعتادة؟]

ويختلف إذا ماتت الزوجة بعد مضي أمد عدتها المعتادة، هل يحمل على أنها كانت في العدة فيرثها زوجها؟ فقال مالك في كتاب المدنيين: إن ماتت بعد [ ص: 2508 ] ثلاثة أشهر فادعى الزوج أنها كانت حاملا فإنه يرثها، والبينة على من يريد أن يمنعه الميراث، وأنها لم تكن حاملا، أو وضعت، أو أنها حاضت ثلاث حيض، أو أسقطت، إلا أن تكون اعتدت في منزله ثم تحولت إلى أهلها لانقضاء عدتها وذكرت ذلك، فلا ميراث له منها.

وقال في كتاب الاستبراء فيمن باع أمة بالبراءة من الحمل، وهو مقر بالوطء، ولم يستبرئ، فمضى لها بعد البيع قدر حيضة، قال محمد: وذلك قدر شهر. انتقل الضمان، وكانت المصيبة من المشتري، فنقل الضمان وإن لم يعلم هل رأت دما أم لا؟ بل لو قال المشتري لم تحض عنده لم يصدق. فعلى هذا يحمل أمر المعتدة إذا مضى قدر العدة على أنها رأت الأقراء، وبانت ولم يرثها.

وإن اختلف قولها فقالت: انقضت عدتي، في مدة تصدق في مثلها، ثم قالت: كذبت ولم تنقض، لم تصدق، ولم يكن لها نفقة إن كان الطلاق رجعيا، ولا ميراث إن مات الزوج إلا أن يتبين صدقها، فإن قالت: أنا حامل، نظر إليها النساء، فإن تحقق الحمل بالظهور أو بالحركة، كان لها النفقة في الحياة، والميراث بعد الموت، وإن قالت أولا: لم أر دما من يوم طلقتني. ثم قالت: كذبت، وقد انقضت عدتي، كان الزوج بالخيار، إن شاء صدقها في قولها أخيرا، ولم يكن عليه نفقة، ومنعت من الأزواج; لأن العدة يتعلق بها حق [ ص: 2509 ] للزوج وحق لله، ورضا الزوج لا يسقط حق الله تعالى في ذلك. وإن كذبها وأخذ بقولها في الأول، كانت له الرجعة وعليه النفقة.

قال أشهب في المدونة: له الرجعة إلا أن يمضي من ذلك اليوم ما تحيض فيه ثلاث حيض.

والجواب فيها على ثلاثة أوجه: فإن تمادت على قولها الآخر: كنت حضت ولم أحض بعد ذلك إلى الآن، كانت عدتها بالسنة من يوم الطلاق كالمرتابة، ولزوجها عليها الرجعة; لأنها تصدق في قولها الأول لم أحض. ويسقط قولها كنت حضت; لأنها تبين كذبها فيه، وتصدق في قولها بعد ذلك لم أحض إلى الآن، فصارت بمنزلة امرأة قالت: لم أحض من يوم الطلاق إلى الآن.

وإن قالت: حضت بعد قولي الثاني ثلاث حيض -وذلك في مدة يحيض فيها غالب النساء- صدقت، وإن كانت مدة لنادر من النساء لم تصدق; لأنها خرجت من الأمانة التي جعلت للنساء بما تبين من كذبها أولا، وردت إلى الغالب، ولا تمنع هذه إلى تمام السنة كما منعت التي قالت: لم أحض. لأن هذه مصدقة في قولها رأيت الدم، غير مصدقة في تقريبه، وتلك قالت: لم أر دما غير الأول الذي اختلف قولها فيه. [ ص: 2510 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية