صفحة جزء
فصل [في معنى الأقراء ]

الأقراء عند مالك: الأطهار، وليس من شرط الطهر أن يوقع الطلاق في أوله، فإن طلق في أخراه ولم يبق منه إلا ساعة، ثم رأت الدم أجزأ. ومن شرط الطهر الآخر الاستكمال، ولا يجتزأ بأوله، ولا يمضي معظمه حتى تستكمله، فتدخل في الدم.

واختلف إذا دخلت في الدم الثالث، فقال ابن القاسم: تحل بنفس الدخول فيه، وليس عليها التماس تماديه، وقال أشهب: أستحب ألا تعجل بالتزويج حتى يتمادى الدم; لأن المرأة ربما رأت الدم الساعة والساعتين، ثم ينقطع فيكون عليها الرجوع إلى بيتها، ولزوجها عليها الرجعة حتى تعود إليها حيضة صحيحة.

وروى ابن وهب عن مالك أنها لا تبين إذا رأت الدم حتى تعلم أنها حيضة صحيحة مستقيمة، وعلى هذا يرثها إن ماتت في أول الدم، وقبل أن يعلم أنها حيضة صحيحة مستقيمة، فحمل ابن القاسم أمرها إذا رأت الدم [ ص: 2511 ] على الغالب فيه أنه يتمادى وانقطاعه نادر، واستحسن أشهب التربص خيفة انقطاعه، فإن ماتت قبل ذلك حمل أمرها فيه على التمادي، ولم يرثها. فإن مات الزوج لم ترثه إن تمادى، فإن قالت قبل موته باليوم والشيء القريب: كان انقطع الدم عني، وكان موته بأثر قولها ذلك -ورثته.

واختلف الصدر الأول ومن بعدهم في الأقراء، فذكر النحاس في الناسخ والمنسوخ عن أحد عشر صاحبا، أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وابن عباس، وابن مسعود، ومعاذ، وعبادة، وأبي الدرداء، وأبي موسى الأشعري، وأنس، رضي الله عنهم أجمعين: أنها الحيض.

وعن سعيد بن المسيب، وسعيد بن جبير، وطاوس، وعطاء، والضحاك، وابن سيرين، والشعبي، والحسن، وقتادة، والأوزاعي، والثوري، وإسحاق، وأبي عبيد (رضي الله عنهم أجمعين) مثل ذلك، أنها الحيض، وبه قال من فقهاء الأمصار أبو حنيفة.

وعن عائشة - رضي الله عنها - أنها الأطهار. قال: وقد اختلف فيه عن ابن عمر، وزيد بن ثابت: هل هي الحيض أو الأطهار؟ وعن القاسم، وسالم، وسليمان بن يسار، وأبي بكر بن عبد الرحمن، وأبان بن عثمان، ومالك، والشافعي، وأبي ثور: أنها الأطهار. [ ص: 2512 ]

ويجري في كثير من مسائلنا بأن يقال: عدة الحرة ثلاث حيض، والأمة حيضتان; لأن عدتها حيضة ونصف، على النصف من عدة الحرة، فتكمل حيضة; لأن الحيضة لا تنقسم، وهذا القول وإن كان خلاف المشهور من المذهب، فهو أقيس; لأن العدة جعلت طلبا لما يدل على براءة الرحم، والذي يدل على البراءة الحيض لا الطهر، ألا ترى أنها إن لم تره ما طلبت الدليل بمدة يظهر فيها الحمل، وهي ثلاثة أشهر، فعلم بذلك أن الذي يدل على البراءة الحيض، وأنه المطلوب.

ومحمل حديث ابن عمر في قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "مره فليراجعها ثم ليمسكها حتى تطهر ثم تحيض، ثم تطهر، ثم إن شاء أمسك بعد، وإن شاء طلق قبل أن يمس فتلك العدة التي أمر الله سبحانه أن تطلق لها النساء". أي لتعتد بحيض كامل، ولا يصح ذلك إلا أن تطلق في الطهر، ولو طلق في الحيض لم يحتسب به; لأنها لا تحتسب ببعض حيضة، ولأن العمدة في البراءة أول الحيض; لأن المرأة قد تحمل إن أصيبت في آخره، فلم يكن براءة إلا أن يقع الطلاق في الطهر فتحتسب بالحيضة من أولها. [ ص: 2513 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية