صفحة جزء
فصل [فيمن قال لامرأته: إن كنت تحبين فراقي فأنت طالق]

وقال مالك فيمن نازع امرأته ثم قال: إن كنت تحبين فراقي فأنت طالق، فقالت: فإني أحب فراقك، ثم قالت: كنت لاعبة، وما أحب فراقك، قال: أرى ألا يقيم عليها، تصدقه مرة وتكذبه أخرى. فحمل جوابها بما يوجب الفراق على الصدق; لأن قصده كان ما تجاوبه به، وإن قالت: أنا أحبك، لم يجبر على فراقها، وقد قيل في هذا: إنه يجبر على الطلاق، وقد تقدم ذلك في كتاب العتق.

وقال أشهب في كتاب محمد فيمن قال: امرأته طالق إن فلانا فعل كذا وكذا، فقيل له: وكيف علمت ذلك؟ فقال: أخبرني فلان، قال: هو حانث، إلا أن يكون له شاهدان عدلان.

وقال مطرف في كتاب ابن حبيب في رجل قال لرجل: بلغني أنك رفعت علي إلى السلطان أن عندي صدقة، امرأتي طالق لأرفعن عليك، فحلف له ما فعلت فترك أن يرفع عليه حتى عزل الساعي فلا شيء عليه؛ لأن مراده: إن كان فعل، فلما حلف علم أن ذلك لم يكن فلا شيء عليه. [ ص: 2616 ]

وقال ابن الماجشون: قد حنث؛ لأنه حلف على تصديق من أخبره، ولا ينفعه أن يرفع عليه عند ساع آخر ويمين المدعى عليه لا يبر بها الحالف; لأنه يتهم في يمينه أن يدفع بها عن نفسه أن يستعدي عليه الآخر، وعلى قول أشهب: لا يبر إلا أن يخبره شاهدان أن الأمر كان على خلاف ما بلغه.

وقال مالك فيمن كان بينه وبين رجل شر، وكان لأحد الرجلين أخ فلقيه أخوه الذي كان نازع أخاه، فقال: قد بلغني الذي كان بينك وبين أخي أمس، امرأته طالق لو كنت حاضرا لفقأت عينيك، فقال: أراه حانثا؛ لأنه حلف على شيء لا يبر فيه ولا في مثله.

وقال في العتبية في رجل كان بينه وبين رجل منازعة فجبذه بثوبه فقال له: لا تشقه علي، فامرأته طالق لو شققته لشققت بطنك، وقال الثاني: امرأته طالق لو شققته لشققت كبدك إلا أن لا أقدر، فقال له مالك: استغفر الله، لا شيء عليك، فقيل لمالك: كأنك لم تر عليه شيئا إلا أن يشق الثوب، قال: نعم. والقول الأول أصوب لأنه شاك: هل كان يبر في يمينه أم لا؟ إذ لا يقدر على ذلك إلا أن يعلم أن له قوة على الآخر، وأنه كان يقدر أن يمتثل ذلك؛ لأنه على أحد أمرين: إما أن يفعل أو يحال بينه وبينه فيصير كالمكره، إلا أن يقصد المبالغة، كالذي حلف ألا يفارق غريمه ففر منه، أو يعلم أنه لا يفعل ذلك لأنه يخاف القصاص فيحنث. [ ص: 2617 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية