صفحة جزء
فصل [في ميراث الزوجة إذا طلقها زوجها في مرضه]

الميراث يثبت للزوجة إذا طلقت في المرض، وكان يرى أنه فار أو أشكل الأمر هل هو فار أم لا؟ ويفترق الجواب إذا كان هناك دليل على أنه لم يقصد الفرار، فيثبت الميراث في وجه ويسقط في وجه. واختلف في الثالث، فإن كان الدليل صلاح الزوج وفضله وأن مثله لا يتهم على ذلك ورثته، وقد طلق عبد الرحمن بن عوف زوجته في مرضه فورثها عثمان - رضي الله عنه - منه، وقال: خفت أن [ ص: 2681 ] يستن به، ولأن ذلك يؤدي لو لم ترث منه إلى سقوط الميراث ممن يتهم، فيقال: هذا لا يتهم وهذا قريب منه في الحال، ومثل هذا لا يتحصل، وقد أحكم الله تعالى في كتابه مثل ذلك في المعتدة من وفاة وهي صغيرة أو يائسة، فأجرى جميعهن على حكم واحد، لئلا يقال: هذه في سن من يخشى منها الحمل، وهذه لا يخشى ذلك منها، وهذه قريبة في السن من هذه، والقائم لنفسه بالنسب معدوم، فحمل الباب في جميعهن، ولأن الطلاق في المرض مختلف فيه بعد أن يقصد الفرار، فقد يكون الزوج صالحا وهو ممن يعتقد ذلك أو ممن يقلد من يراه، فكان منع ذلك في جميع الأزواج أحسن، وقد استدل من أوجب الميراث إذا قصد الفرار بهباته وصدقاته أن للورثة شبهة وتعلقا بالمال حينئذ فيمنعوه من أن يتصرف في ماله إلا على وجه التنمية، وما كان على غير ذلك من الهبات والصدقات والعطايا لم يكن له تنفيذها إلا من رأس المال، وكان فعله موقوفا فينفذ بعد موته من ثلثه والزوجة وغيرها من الورثة سواء، وإذا تعلق للزوجة شبهة ومنع حسب ما تقدم له لم يصح أن يخرج من الميراث من له منعه من التصرف في ذلك المال إلا على وجه التنمية، لا بطلاق ولا بغيره، ويؤيد ذلك قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لا يفرق بين مجتمع ولا يجمع بين مفترق خشية الصدقة"، وإذا منع هذا أن يفر بزكاته بجمع أو تفرقة، وإن لم تكن وجبت حينئذ لما شارف الحول، ووجوب حق المساكين- منع هذا لما شارف الموت من وجوب [ ص: 2682 ] حقها فيه، وقد مر مالك على أصله في الموضعين فحمل الحديث على الوجوب، وفي الزوجة إذا فر أن يؤخذ بما فر منه، وذهب بعض الناس في السؤالين في ذلك على الندب، وقال مالك في مختصر ما ليس في المختصر فيمن باع إبلا فرارا من الزكاة، قد قيل إنه يزكي زكاة الذهب بمنزلة من لم يفر، واختلف إذا كان الدليل أنه لم يبتد طلاقا، وإنما ذلك العقد تقدم في الصحة، فقال في المدونة فيمن قال وهو صحيح: أنت طالق إذا قدم فلان، فقدم في مرض الزوج ورثته، وقال مالك فيمن حلف لامرأته وهو صحيح بطلاقها: إن دخلت بيتا، فدخلته وهو مريض إنها ترثه. وقال في كتاب المدنيين إذا قال لها: إن دخلت الدار فأنت طالق أو صنعت كذا وكذا فأنت طالق، فصنعت ذلك وهو مريض معصية وخلافا، وقع الطلاق ولم ترثه، وإن حلف وهو مريض ورثته.

وقال المغيرة في كتاب ابن سحنون فيمن حلف: ليقضين فلانا حقه، فمرض الحالف فلم يقض فحنث في مرضه، فإن كان مليا ورثته، وإن كان فقيرا أو طرأ له مال فلم يعلم به حتى مات حنث ولم ترثه. وقول مالك والمغيرة في هذا أحسن.

واختلف إذا كانت الزوجة أمة أو نصرانية فطلقها في المرض ثم أعتقت هذه وأسلمت الأخرى بعد انقضاء العدة، فقال محمد: يرثانه. قال ابن الماجشون في المبسوط: لا ميراث لها، وعلى هذا لا ترث الأمة إن أعتقت، وهو قول سحنون في العتبية. [ ص: 2683 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية