صفحة جزء
فصل [فيمن قال لامرأته بعد الدخول: اختاري نفسك]

وقال مالك: فيمن قال لامرأته وقد دخل بها: اختاري نفسك فقالت: قد اخترت نفسي: إنها ثلاث، ولا يقبل قول واحد من الزوجين أنه أراد واحدة، وإن قالت: قبلت أمري، سئلت: ما أرادت بذلك؟ فإن قالت: قبلت ما جعل إلي، قيل لها: فطلقي إن شئت أو ردي، وإن قالت: أردت ثلاثا لم يكن للزوج أن يناكرها، وإن قالت: أردت واحدة، لم يلزم ذلك الزوج ويسقط ما بيدها، وإن قال: أمرك بيدك، فقضت بالثلاث كان له أن يناكرها، وإن قضت بواحدة لزمته ولم يكن له أن يناكرها.

وقد اختلف في التخيير في ثلاثة مواضع:

أحدها: إذا قالت: اخترت نفسي، هل له أن يناكرها؟

والثاني: إذا قضت بطلقة هل يلزمه الثلاث؟

والثالث: إذا لم يصح قضاؤها بطلقة هل لها أن تعود فتقضي بالثلاث؟

فقال ابن الجهم: للزوج أن يناكرها في الثلاث وتكون طلقة بائنة.

وقال ابن سحنون في كتاب الأصول: سمعت سحنون يقول: لا فرق عندي بين التخيير والتمليك، له أن يناكرها فيهما جميعا. يريد: وتكون طلقة رجعية كالتمليك، قال: وأكثر أصحابنا يقولون: الطلقة بائنة.

وقال عبد العزيز بن أبي سلمة: التخيير والتمليك سواء، له أن يناكرها. [ ص: 2704 ]

وحكى ابن خوازمنداد عن مالك أن محمله في الخيار على طلقة بائنة مثل ما ذكر ابن سحنون عن أكثر أصحابه.

قال الشيخ -رحمه الله-: التخيير والتمليك سواء، إلا أنه متعلق بما بعده، وقوله: خيرتك في نفسك أو ملكتك نفسك سواء، بخلاف قوله: خيرتك في أمرك أو ملكتك أمرك، فإن قال: خيرتك في نفسك أو اختاري أو ملكتك نفسك، كان لها أن تبين بنفسها إن شاءت، وذلك يصح بالثلاث أو بطلقة بائنة، ولا يصدق أنه أراد واحدة رجعية; لأنه إذا ارتجع لم يصح اختيارها لنفسها. وإن قال: لم أنو عددا، صدق ثم يعود الخلاف بماذا تبين؟ فرأى مرة أنها تبين بالثلاث; لأن الواحدة لا تكون بائنة، إلا أن يكون معها فداء، ورأى مرة أنها تكون بائنة وإن لم يكن معها فداء.

وقد اختلف فيمن قال: أنت طالق طلاق الخلع، هل يكون ثلاثا أو واحدة بائنة أو رجعية؟

وقال ابن القاسم في كتاب محمد فيمن خير زوجته فقالت: قد اخترت أمري، وقالت: أردت الصلح، فقال: هو صلح لا يراجعها إلا بنكاح جديد. يريد: أنها تكون واحدة بائنة، فإذا صح أن تبين بواحدة إذا أرادت هي ذلك صح أن يكون اختيارها نفسها كذلك; لأن الاختيار لا يفتقر إلى عدد، وإنما يفتقر إلى البينونة، وقياسا على اختيار الأمة نفسها بعد العتق أنها تبين بواحدة. وإذا قال: اختاري أمرك أو ملكتك أمرك، قبل قوله أنه أراد واحدة; لأن التخيير والتمليك إنما جعله لها في أمرها وهو الطلاق، ولو صرح في قوله [ ص: 2705 ] فقال: اختاري الطلاق أو ملكتك الطلاق لقبل قوله أنه أراد واحدة، وقد اختلف في ذلك فقال محمد: إذا قال: اختاري أمرك هي ثلاث ولا ينوى.

وقال أبو إسحاق ابن شعبان: قوله اختاري أمرك وملكتك أمرك سواء، ويقبل قوله أنه أراد واحدة وهو أحسن، ولو كان لا يقبل قوله إذا قال: اختاري أمرك، لم يقبل إذا قال: ملكتك أمرك.

واختلف إذا قضت في التخيير بواحدة على القول أنها ليس لها أن تقضي إلا بالثلاث، فقال مالك: يسقط ما بيدها.

قال محمد: ما لم يتبين منه الرضا بذلك فتكون طلقة له فيها الرجعة.

وقال أشهب: لها أن ترجع فتقضي بالثلاث، وهو أحسن؛ لأن النساء لا يميزن أحكام هذه الألفاظ، وإنما يقع عندها أنها فعلت ما جعل لها، فينبغي أن يبين لها، ثم ينظر إلى ما تعمل بعد ذلك.

وقال عبد الملك في كتاب محمد: إذا قضت بواحدة كانت البتة. قال في ثمانية أبي زيد: لأنه إنما يخيرها في الخروج من عنده والانبتات فبلغناها البتة فحمل قولها واحدة أنها أرادت أن تبين بها وألزمها الثلاث. [ ص: 2706 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية