صفحة جزء
فصل [فيمن خير في الطلاق دون النفس]

فإن لم يخيرها في نفسها وخيرها في الطلاق، فقال: اختاري طلقة أو اثنتين أو ثلاثا، لم يكن لها أن تقضي بخلاف ما جعل لها. وإن قال: اختاري واحدة أو اختاري طلقة أو اختاري من الطلاق طلقة أو في تطلقي من الطلاق واحدة لم تقض إلا بطلقة، ولا يمين عليه في شيء من ذلك. وإن قال: اختاري في واحدة حلف أنه لم يرد إلا طلقة، ولا يمين عليه في شيء من ذلك؛ لإمكان أن يكون أراد بقوله: في واحدة. أي في مرة واحدة. وأحلفه ابن القاسم إذا قال: اختاري في أن تطلقي نفسك طلقة واحدة، وفي أن تقيمي، وألا يمين عليه أحسن.

وإن قال: اختاري تطليقتين أو من تطليقتين أو في تطليقتين كان الجواب مختلفا. فإن قال: اختاري تطليقتين كان لها أن تقضي بهما، فإن قضت بواحدة لم يلزمه بشيء، وإن قال: اختاري من تطليقتين فقضت بالواحدة لم يكن لها أن تستكمل اثنتين.

واختلف إذا قال: اختاري في تطليقتين فقال في المدونة: تقضي بها، فإن قضت بواحدة لم يلزمه شيء. [ ص: 2707 ]

وقال ابن سحنون: لها أن تقضي بواحدة، وقوله في تطليقتين يحتمل أن يريد في أن تقضي أو تترك لعدتها أو تختار في الأعداد، فأرى أن يسأل عما أراد إذا قضت بواحدة، فإن قال: أردت الأعداد لزمته الواحدة، وإن قال: أردت أنها تقضي أو تترك حلف على ذلك، ثم يكون لها أن تستأنف الخيار; لأنها تقول: ظننت أنه أراد العدد، ولو علمت أنه لم يرد ذلك لقضيت بالاثنتين، وكذلك إن قال: طلقي نفسك ثلاثا أو اثنتين، لم يكن لها أن تقضي بغير ذلك، وإن قال: ملكتك طلقتين أو ثلاثا كان لها أن تقضي بجملة ذلك العدد أو ببعضه. قال في المدونة: لأنه في التمليك جعل لها أن تقضي بالواحدة والاثنتين والثلاث.

وقال في ثمانية أبي زيد: إذا قال: ملكتك ثلاثا، لها أن تقضي بما شاءت، وقال في كتاب ابن حبيب: إذا قضت بواحدة لم يكن لها شيء. والأول أحسن; لأن قوله ملكتك يقتضي أن يتصرف في ذلك تصرف المالك، والمالك يتصرف في بعض ملكه وفي جملته; وليس كذلك قوله: طلقي نفسك ثلاثا; لأن هذه اللفظة لفظة الأمر، فتمتثل ما أمرها به أو ترده.

واختلف أيضا إذا قال: ملكتك في ثلاث كالاختلاف الأول على قول ابن سحنون يكون لها أن تقضي بواحدة، بخلاف أن يقول: ملكتك الثلاث ولا يقول: "في".

وكل هذا ينحصر في أربع، تخيير وتمليك وأمر بالطلاق ووكالة عليه. [ ص: 2708 ]

ومحمل الأمر بالطلاق إذا قال: طلقي نفسك على واحدة، وسواء دخل بها أو لم يدخل.

والتمليك على ثلاثة أوجه:

أحدها: أن يقول: ملكتك نفسك، فحكمه حكم خيرتك في نفسك، وقد تقدم.

والثاني: أن يقول: ملكتك أمرك، واختلف هل يحمل مع عدم النية على الثلاث أم على واحدة؟ فالمعروف من المذهب أن محمله على الثلاث، إلا أن تكون نيته أقل، وسواء دخل بها أو لم يدخل.

وقال مالك في كتاب محمد في رجل لاعب امرأته فملكها وهو يلاعبها فقالت: تركتك، فقال الزوج: كنت لاعبا ولم أرد طلاقا، فلا يصدق ويحلف أنه لم يرد طلاقا وتكون واحدة، فحمله مع عدم النية على واحدة; لأن معنى قوله: ملكتك أمرك، أي: طلاقك، والطلاق مصدر يصح أن يراد به الواحدة أو الثلاث، فرأى مرة أنه لا تخرج من يده إلا بما لا شك فيه وهو واحدة، ورأى مرة أنها إذا أوقعت الثلاث لم ترد; لأنه مما يمكن أن يتضمنه ذلك اللفظ فلا يرد بشك.

والثالث: أن يقول: طلاقك في يدك.

فقال مالك في المدونة: هو بمنزلة التمليك، القول قول الزوج إذا رد عليها ويحلف. وقال ابن القاسم في كتاب محمد: إن قال: وهبت لك طلاقك [ ص: 2709 ] هي البتة. وإن قال: نويت واحدة، لم ينفعه; لأن الهبة تجمع الطلاق كله، وكذلك إذا قال: فراقك، وعلى هذا يحمل قوله: طلاقك في يدك، على الثلاث; لأن الطلاق يعبر به عن الواحدة والثلاث، فجاز أن يصدق أنه أراد واحدة.

واختلف إذا قال: طلقي نفسك، فجعله ابن القاسم في المدونة تمليكا.

وقال محمد: ليس لها أن تطلق إلا واحدة، ولو طلقت أكثر فلم ينكر ولم يرد حلف أنه لم يسكت رضا منه بما طلقت، وهو أبين، وليس قوله: طلاقك بيدك بمنزلة قوله: طلقي نفسك.

التالي السابق


الخدمات العلمية