صفحة جزء
فصل [في صرف الدين المؤجل]

ومن المدونة قال مالك فيمن عقد سلما في سلعة إلى أجل بنصف دينار نقدا، فلما وجب البيع دفع المشتري إلى البائع دينارا وأخذ دراهم صرفا عن بقية الدينار، ولم يكن ذلك شرطا بينهما، قال: لا خير فيه. قال ابن القاسم: رآه صرفا وسلعة إلى أجل.

وقال في كتاب محمد: ومن كان يسأل رجلا نصف دينار، فأتاه بدينار، فقضى نصفه، وجعل نصفه في سلعة إلى أجل، قال: لا بأس به، قاله ابن القاسم بعد أن وقف عنه. قال محمد: ما لم يكن النصف الأول دراهم أسلفها إياه، ولا نصف دينار مضروب، وأما ثمن سلعة فلا بأس، قال -وقاله ابن القاسم-: إن حل الأجل أو كان حالا، فإن لم يحل فلا خير فيه، وكان سلفا وبيعا، وضع وتعجل. انتهى قوله.

ففرق مالك بين السؤالين، ومنع الأول واتهمهما أن يكونا عملا على ذلك، لما كانت البيعة الأولى إلى أجل وأجراها على التهم، كبياعات الآجال، ولو سلما عنده من التهمة لجاز; لأنه إنما دفع النصف قضاء، وصارف في نصف، ولا شيء عليهما فيما بينهما وبين الله سبحانه، ولو حمل النصف الذي في الذمة على أنه دراهم لما كان إنما يحكم فيه بدراهم- لم يمتنع أيضا إذا لم يتهما أن يكونا [ ص: 2779 ] عملا على ذلك; لأنه بمنزلة رجل عليه عشرة دراهم فاشتراها من ذمته، وعشرة أخرى يقبضها بدينار دفعه نقدا، وذلك جائز، وجاز ذلك في المسألة الأخرى; لأنه لا يدخلها صرف، وإنما أخذ دينارا وأخذ سلعة تقدمت، ويأخذ سلعة بعد ذلك، ووقف ابن القاسم فيه مرة، مراعاة لمن حمل النصف المتقدم على الورق، لما كان لا يحكم الآن فيه إلا بورق، فيدخله ما دخل المسألة الأولى من أنه ورق وسلعة مؤجلة بدينار نقدا، وإذا كان النصف دراهم لم يجز عنده بحال; لأن دافع الدينار الآن اشترى به الدراهم التي في ذمته وسلعة مؤجلة بدينار نقدا.

وقد كان بعض شيوخنا يقول: القياس أن يجوز ذلك، فيجوز أن يعقدا صرفا وبيعا في دينار، ويدفع الدينار ويقبض الدراهم، وتبقى السلعة إلى أجل، وأجرى كل واحد منهما على حكمه في المناجزة في الصرف خاصة، وأجاز التراخي في البيع.

قال: ولا يلزم أن يتناجزا في البيع ويردا فيه إلى حكم الصرف، كما لا يجوز أن يرد الصرف إلى حكم البيع، لما جمعهما عقد، ولم يجزه محمد إذا كان النصف دينارا مضروبا مجموعا أو تبرا، والدينار الذي يدفع الآن قائم; لأنه يدخله التفاضل والنساء، وهو ذهب بذهب من غير جنسه، وسلعة إلى أجل.

ولو باع سلعة بنصف دينار إلى أجل، فلما حل الأجل دفع إليه المشتري دينارا وأخذ بقيته دراهم- لم يجز على قول مالك; لأن الأول بيعة إلى أجل، [ ص: 2780 ] فيتهما أن يكونا عملا على ذلك، فيكون سلعة نقدا ودراهم إلى أجل بدينار مؤجل، ولا فرق في بياعات الآجال فيما يعودان إليه من ذلك عند عقد البيع أو بعد حلول الأجل، وعند دفع الثمن.

وقد اختلف فيمن اشترى سلعة بعشرة دنانير إلى أجل، فلما حل الأجل، قضاه عشرة، فوجد في وزنها فضلا، فأعطاه بذلك ورقا. فأجازه في المدونة، وكرهه مالك في كتاب محمد في الورق، قال أشهب: فإن نزل لم أفسخه، واستخف ذلك مرة، لقلته في جملة العشرة الدنانير، ولا يجيزه في مثل ثمن المبيع الأول، وهو نصف دينار، وأجازه ابن القاسم في القرض، فقال فيمن استقرض نصف دينار دراهم، فقضاه دينارا وأخذ فضله دراهم: إنه لا بأس به.

وضعفت التهمة عنده هنا لما كان أصله معروفا، بخلاف ما خرج على وجه المبايعة، وقد اختلف فيه أيضا، وإن كان قرضا.

وإن اشترى سلعة بعينها بنصف دينار كل ذلك نقدا، فنقد دينارا وأخذ فضله دراهم، جاز ذلك إذا كان قد قبض السلعة، ولا يجوز أن يتأخر دفعها عن وقت المصارفة في بقية الدينار، وأجازوا ذلك وإن لم تكن المصارفة، ودفع الدينار بحضرة عقد البيع، وإن دفع الدينار وترك النصف عنده على وجه السلف ولم يصارفه فيه جاز ذلك، كانت السلعة الأولى نقدا أو إلى أجل. [ ص: 2781 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية