صفحة جزء
باب [فيمن اشترى فلوسا ببعض درهم فدفع درهما، وأخذ بقيته فضة، أو اشترى سلعة ببعض دينار فدفع دينارا وأخذ بقيته ذهبا]

ومن اشترى من اللحام أو الحناط، أو السقاط ببعض درهم، أو اشترى فلوسا ببعض درهم فدفع درهما واحدا وأخذ بقيته دراهم صغارا، جاز ذلك له إذا كان الذي يرجع إليه الثلث فأقل، ولا يجوز إذا كان الذي يرجع إليه الأكثر الثلثين أو نحوهما.

واختلف في النصف، فأجازه مالك وابن القاسم في المدونة، ومنعه ابن القاسم وأشهب في كتاب محمد.

وقال مالك: وكنا نحن نكرهه، ويخالفنا فيه أهل العراق.

وقد كان الأصل ألا يجوز إلا في الثلث فأقل، كما قال في الثمار في اكتراء الدار.

ولم يجزه أبو محمد عبد الوهاب إلا فيما قل وكان تافها، فقال: لا يجوز صرف وبيع إلا أن يكون يسيرا، مثل أن يصرف دينارا بعشرة دراهم، فيعجز [ ص: 2805 ] الدرهم أو النصف، فيدفع إليه عرضا بقيمته، أو يزيد الدينار أو الدرهم، وكسره غير جائز، فها هنا يجوز للضرورة، فلم يجز ذلك في الدرهم إلا في اليسير إذا كان الدرهم لا يجوز كسره.

وذكر أشهب عن مالك في كتاب محمد: أنه كان يكرهه جملة في القليل والكثير، قال: كنا نحن نكرهه، ويخالفنا فيه أهل العراق، ثم خففناه; لأن الناس لا يطلبون به صرفا.

وقال في المدونة: لأنها نفقات لا تكاد تنقطع، ولما للناس في ذلك من المرفق وقلة غناهم عنها.

وقال أشهب: إنما يجوز ذلك عندي بالمدينة، وأما كل بلد يتعامل فيه بالفلوس، فلا يجوز.

وقول مالك أحسن; لأنهم أجازوا ذلك وإن كانت تجوز في أيديهم الدراهم الصغار المقطعة، ويلزم أشهب ألا يجيز ذلك وإن لم تجز عندهم الفلوس; لأن صاحب الدرهم قادر على أن يصرفه بصغار، ثم يشتري بالصغار إن أحب، وإذا أجاز ذلك مع القدرة على أن يأخذ فيه صغارا، جاز [ ص: 2806 ] وإن كانوا يتبايعون بالفلوس- ولو كان الذي يرجع إليه فضة غير مسكوكة لم يجز.

وقال محمد فيمن اشترى قمحا بثلثي دينار فدفع دينارا، وأخذ قطعة ذهب منقوشة: أكره ذلك.

وفرق بين أن يرجع ثلث الدرهم فضة وثلث الدينار ذهبا; لأن السعر في الدراهم الصحاح والصغار سواء، وسعر ثلث الدينار الصحيح بخلاف سعره إذا كان قطعة، فاتقى أن يكونا عملا على ذلك، فيكون دينارا صحيحا بقمح وقطعة ذهب، وذلك ربا، ولا شيء عليهما في ذلك فيما بينهم وبين الله سبحانه إذا لم يعملا على ذلك; لأن الثلثين قضاء، والثلث مراطلة بوزنه.

وقال مالك في المدونة فيمن اشترى سلعة بعشرة دنانير مجموعة، فوزنها ليقضيها، فكان في وزنها فضل، فأخذ في ذلك عرضا أو ورقا: فلا بأس به.

وقال ابن القاسم وأشهب في كتاب محمد: إن أخذ في الفضلة ذهبا لم يصلح، ولو كان ذلك خروبة واحدة كان ذلك من بيع أو سلف، قالا: ويدخله في البيع سلعة وذهب بذهب، وفي السلف ذهب أقامت عنده شهرا وذهب يدفعها الآن بذهب يأخذها منه. قال أشهب: وهو في السلف أخف، ولا بأس به في السلف، ولا خير فيه من بيع.

وقال مالك: لا يعجبني أن يعطيه في الزيادة ورقا، كما لم يعجبه أن يعطيه ذهبا. [ ص: 2807 ]

قال أشهب: وإن نزل لم أفسخه.

قال مالك: وأما النقصان فلا بأس أن يعطيه فيه ما تراضيا عليه من شيء من الأشياء، وأن يترك النقصان على حاله.

وأجازه مالك في موضع آخر في الذهب كان من بيع أو غيره، فقال فيمن كان له دينار ناقص على رجل، فأعطاه دينارا تاما فجعل معه قطعة ذهب حتى تم العدل: لا بأس به.

وقال ابن القاسم في كتاب محمد فيمن أتى بدنانير جعفرية بعيونها فضل، فصارف بها دنانير صحاحا نقصا، وجعل مع الجعفرية قراضة حتى اعتدل الميزان، مثل الثلث والسدس: لا بأس به إذا لم يعين فضل عيون الجعفرية، وإن كانت القراضة قدر الدينار فلا خير فيه.

فاستخفا ذلك إذا كان يسيرا في جملة الدنانير، بخلاف الدينار الواحد.

والاقتضاء ها هنا أخف من مسألة ابن القاسم في المراطلة؛ لأنهما لا يتهمان أن يكونا عملا على ذلك في الاقتضاء لقلته، ويتهمان في المراطلة أن يكونا شرطا ذلك في أصل البيع. [ ص: 2808 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية