صفحة جزء
باب في الوكالة على السلم

ومن قال لرجل: بعثني فلان لآخذ له سلما على طعام، فأعطاه ذلك جاز، ولزم الأمر إن أقر بالوكالة.

قال مالك: وإن اشترط المشتري على المأمور أنه إن لم يرض الآمر فأنت لبيعي ضامن جاز، قال: وذلك مثل الرجل يقول للرجل: ابتع لي غلام فلان، فيقول: إن فلانا أرسلني فبيعوه، فقد عرفتموه، فيقولون: نحن نبيعه فإن أقر لنا بالثمن، وإلا فالثمن لنا عليك، توفيناه نقدا أو إلى أجل، فذلك جائز .

قال محمد: ولقد غمزه بعض الناس وقال: هي ذمم ولا يدري على أيهما وقعت مبايعته.

قال سحنون: وقال أشهب: هو دين بدين.

قال الشيخ -رحمه الله-: إن كان أحدهما غنيا والآخر فقيرا، فهو غرر; لأنه لا يدري أي الذمتين له، بخلاف الحميل; لأن له ذمة غريمه، وذمة الحميل تقوية له، أو له الذمتان على القول إن له أن يأخذ أيهما أحب .

فإن قيل للوكيل: إن اعترف الآمر فادفع الثمن إليه وأشهد عليه وإلا فلا تدفع إليه لم يدخله الدين بالدين، وإن قيل له: ادفع إليه، فإن اعترف لنا أخذنا منه، وإن أنكر أتبعناك، لكان دينا بدين، فمن قال: إنه شرع غير معلل، كان فاسدا، ومن قال: إنه معلل بما كانت عليه الجاهلية أن يقول للغريم: تقضي أو تربي لم يفسد; لأنه شرط في أصل العقد. [ ص: 2997 ]

والوكالة على السلم مخالفة للوكالة على الشراء والبيع ; لأن قوله: بعثني لآخذ له سلما أمر يقتضي ثمن المسلم والقضاء على الآمر بمجرد الوكالة، وهذا قول مالك; لأنه جعله بمنزلة من قال: بعثني فلان فبيعوه، فإن دفع الثمن على الباعث، فإذا قبض الرسول الثمن غرم الآمر السلم، فإن أنكر أنه يكون وكله، حلف وسقط السلم عنهما جميعا.

واختلف هل يغرم الرسول رأس المال؟ فقال محمد: يغرمه.

وقيل: لا شيء عليه إلا يمينه.

وأرى أن يغرم إن كان غير مأمون، وإن كان مأمونا حلف لقد أرسلني ووصلت إليه وبرئ، وتكون مصيبة ذلك من المسلم.

إن قال: وكلني أن أسلم له كان عليه أن يدفع رأس المال وليس له قبض السلم; لأن قوله أسلم له ، أي أسلم له وأدفع رأس المال، فإذا دفعه انقضت وكالته، وإن قال: وكلني أن أعقد له سلما، لم يكن عليه من رأس المال شيء.

واختلف إذا وكله على الشراء، هل يلزم الوكيل دفع الثمن؟ فقال محمد: عليه ذلك، وإن قال: بعثني لأشتري له منك، قال: لأن البائع يقول: أنت تشتريها، فلا أبالي لنفسك أو لغيرك . [ ص: 2998 ]

وقال مالك في المبسوط في من وكل على شراء سلعة فوجد البائع بالثمن زيوفا: فإن كان أعلمه أنه وكيل لغيره فلا شيء عليه، وإذا لم يجعل عليه البدل لم يكن عليه أن يدفع الثمن.

فرأى أن العقد بيع فإذا فعل انتقضت وكالته وكان دفع الثمن وقبض المبيع من الموكل، ورأى مرة أن الأول عقد بيع وأن البيع التقابض أن تعطيني ملكك وأعطيك ملكي، ولهذا قال: إن مصيبة الحيوان إذا حبس بالثمن من البائع .

وقوله: المصيبة من المشتري، فعلى القول: إن العقد بيع، وإن قال: بعثني لأشتري منك، أو بعثني إليك لأشتري منك، ولم يقل: لأشتري له، كان محمل الشراء على أنه للمبعوث، وإنما دله على من يعامله، إلا أن يقول: بعثني إليك لتبيعه، فأما إن قال: لتبيعني أو لأشتري منك، فمحمل قوله على أن الشراء لنفسه، فإن قال: لتبيعه، كان الثمن على الآمر، وإن قال: لأشتري له، كان الثمن على القولين، هل هو على الباعث، أو على المبعوث؟ وإن قال: لأشتري منك، أو لأشتري، ولم يقل: له ولا منك، كان محمل الشراء على أنه لمن باشر الشراء.

التالي السابق


الخدمات العلمية