صفحة جزء
باب في بيع الطعام قبل قبضه

قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "من ابتاع طعاما فلا يبعه حتى يستوفيه" اجتمع عليه الموطأ، والبخاري ومسلم ، فبيع الطعام قبل قبضه يمنع بثلاثة شروط:

أن يكون من بيع على كيل، أو وزن، أو عدد مما يحرم التفاضل فيه، واختلف إذا كان مما يجوز التفاضل فيه، وإذا كان في ضمان البائع على غير كيل.

فأما ما يجوز فيه التفاضل فالمعروف من قول مالك المنع، لعموم الحديث: "من ابتاع طعاما"، ولم يفرق.

وروى عنه ابن وهب أنه قال: ما لا ربا فيه يجوز بيعه قبل قبضه .

وقال في كتاب محمد فيمن اشترى تينا وزنا ثم قال: زن لي بنصفه عنبا أو بطيخا، ونصفه تينا: أرجو أن يكون خفيفا، لا بأس به، وقال محمد: لا خير فيه . ومحمل قول مالك في التين على أنه مما لا يدخر كالشتوي أو صنف يدخر عجل جناه في وقت لا يدخر، وهذه المسألة أصل في جواز التفاضل فيما أصله الادخار إذا كان هذا في نفسه لا يدخر، وكأنه حمل الحديث على ما كان غالبا أنهم يتبايعونه ويسلمون فيه، وهو التمر، وقاس عليه جميع المدخرات. [ ص: 3072 ]

واختلف في الجزاف إذا كان في ضمان بائعه: فقال ابن القاسم في كتاب محمد فيمن ابتاع لبن غنم بأعيانها شهرا بغير كيل: لا يبعه حتى يحتلبه. وأجازه أشهب .

وقال مالك في العتبية فيمن اشترى جزءا من ثمرة: لا يبعه حتى يقبضه، ثم رجع عن ذلك ، ولا فرق بين الجزء والجميع.

وقال في كتاب محمد فيمن ابتاع ثمرة حائط غائب لم يره: لم يجز أن يبيعه حتى يراه; لأنه في ضمان البائع . يريد إذا كانت يابسة; لأنه لا يسقط الضمان وإن رضيه إلا فيما كان يابسا، والمنع في جميع ذلك أحسن; لعموم الحديث.

وقد قال مالك: نهى في الحديث "عن ربح ما لم يضمن" أن ذلك في الطعام ، فبأي وجه كان الطعام في ضمان بائعه، فإنه يمنع من بيعه.

ويختلف على هذا في الصبرة إذا كانت محبوسة بالثمن على القول أن [ ص: 3073 ] المصيبة من البائع.

واختلف إذا أمكن منها هل يبيعها قبل نقلها؟ فقال مالك مرة: لا بأس بذلك .

وقال في العتبية: أحب إلي أن يؤخذ في ذلك بالحديث فيمن اشترى طعاما جزافا قال: لا يباع حتى ينقل من مكانه .

يريد: حديث ابن عمر، قال: رأيت الناس على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا تبايعوا طعاما جزافا يضربون ألا يبيعوه في مكانهم، حتى يئووه إلى رحالهم. اجتمع عليه البخاري ومسلم ، وذكره مالك في الموطإ، ولم يقل جزافا ، وأخذ به الشافعي، وأبو حنيفة، وقال مالك في تفسير ابن مزين: إنهم كانوا يريدون بيعه بالدين، وأما بالنقد، فلا بأس.

ولا فرق بين النقد في ذلك والدين إذا بيع من غير بائعه، واتباع الحديث أولى.

واختلف في المكيل هل المنع معلل أم لا؟ فقال أبو محمد بن عبد الوهاب [ ص: 3074 ] وأبو الفرج وغيرهم من البغداديين: المنع لأجل العينة . وقيل: شرعا، وهو أحسن.

ولو كانت العلة العينة، لجاز بيعه من بائعه بأقل، ومن غير بائعه بأقل وأكثر، وهذا الأصل فيما كان المنع فيه خيفة العينة، ويكون على قولهم الطعام والعروض سواء.

وقال محمد فيمن باع طعاما قبل قبضه وقبض الثمن وذهب المشتري بالطعام، قال: يأخذ الثمن من البائع الآخر، ويقام به للغائب فيشتري به طعاما، فإن كان أقل من الكيل الأول كان الباقي دينا على الغائب يتبع به، وإن كان أكثر وقف له ، ورأى أن البائع الأول قد برئ بذلك الكيل; لأنه وفى بما عليه، والتعدي في البيع إنما كان من البائع الآخر، وليس من البائع الأول تعد، واستحسن في السليمانية إذا اشترى طعاما أن يعاد إلى يد الأول حتى يوصله إلى يد من اشترى منه. [ ص: 3075 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية