صفحة جزء
باب في القراءة في الصلاة

القراءة في الصلاة فرض على الفذ والإمام دون المأموم، ثم هي متعينة بأم القرآن. والأصل في ذلك قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: " لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب فصاعدا" أخرجه " البخاري ومسلم . وقوله - صلى الله عليه وسلم -: " كل صلاة لم يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداج، فهي خداج، فهي خداج غير تمام" .

ولا يعترض هذا بقوله - صلى الله عليه وسلم - للأعرابي: " اقرأ بما تيسر معك من القرآن" لأنها نازلة في عين والأول شرع أقامه لجميع الناس; لأن الظاهر من الأعرابي أنه لا يحسن القرآن; لأن من لا يحسن الظاهر من الأعمال كالركوع والسجود أحرى ألا يحسن القراءة; ولإمكان أن يكون لم ينزل على النبي - صلى الله عليه وسلم - في حين قوله ذلك أنها تختص بفاتحة الكتاب. [ ص: 267 ]

وأما المأموم فإنه لا يقرأ إذا جهر إمامه ، واختلف إذا أسر، فقال مالك وابن القاسم: يقرأ، وقال ابن وهب : لا يقرأ خلفه، وحكى محمد بن المواز عن أشهب أنه لم يكن يقرأ خلف الإمام .

وقال محمد بن عبد الحكم: يقرأ خلف الإمام، فإن لم يفعل أجزأه; لأن الناس مجمعون على أن من أدرك الإمام راكعا فركع معه أنها تجزئه، ويعتد بها، فلو كان تارك القراءة خلف الإمام لا يعتد بها- لم تجزئه هذه الركعة.

قال الشيخ -رحمه الله-: اختلف الناس في القراءة خلف الإمام على ثلاثة أقوال: فقيل: عليه أن يقرأ، جهر الإمام أو أسر. وقيل: لا يقرأ على حال. وقيل: إن جهر لم يقرأ، وإن أسر قرأ.

واحتج من ألزم القراءة في الحالتين بأحاديث الأول: " لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب" ، وحمل الحديث على عمومه في الفذ والإمام، ولقوله - صلى الله عليه وسلم -: " كل صلاة لم يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداج، فهي خداج، غير تمام" . قيل: يا أبا هريرة، إني أكون أحيانا خلف الإمام. قال: اقرأ بها في نفسك يا فارسي .

وفي الترمذي قال: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى الصبح فثقلت عليه القراءة، فلما انصرف قال: " إني أراكم تقرءون خلف إمامكم؟ " قلنا: إي والله يا رسول الله، قال: " فلا تفعلوا إلا بأم القرآن، فإنه لا صلاة إلا بها" ، وهذا حديث صحيح. [ ص: 268 ]

واحتج من نفى القراءة إذا جهر وأثبتها إذا أسر بحديث أبي هريرة قال: " انصرف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من صلاة جهر فيها بالقراءة، فقال: هل قرأ أحد معي منكم آنفا. فقال رجل: أنا يا رسول الله. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إني أقول ما لي أنازع القرآن، قال: فانتهى الناس عن القراءة مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيما جهر فيه" . ومفهوم الحديث أنهم نهوا عن القراءة في الجهر .

ويحتج لمن قال: لا يقرأ مع الإمام على حال بالحديث الذي قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " فإذا قرأ الإمام فأنصتوا" أخرجه مسلم ، ولم يفرق بين السر والجهر.

وقال ابن عمر في الموطأ: " إذا صلى أحدكم خلف الإمام فحسبه قراءة الإمام، وإذا صلى وحده فليقرأ" ، قال نافع: وكان ابن عمر لا يقرأ خلف الإمام . وقد كان ابن عمر أكثر الناس اتباعا واقتصاصا لأفعال النبي - صلى الله عليه وسلم -، [ ص: 269 ] والصلاة مما يتكرر في اليوم خمس مرات، فلو كان العمل على القراءة خلف الإمام لقرأ ابن عمر ولم يفت الناس بخلاف ذلك.

وقال جابر: من صلى ركعة لم يقرأ فيها بأم القرآن فلم يصل، إلا وراء الإمام .

وذكر الطحاوي في شرح معاني الآثار عن جابر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " من كان له إمام فقراءة الإمام قراءة له" ، وعن علي - رضي الله عنه - قال:" من قرأ خلف الإمام فليس على الفطرة" . [ ص: 270 ]

وعن ابن مسعود قال: ليت الذي يقرأ خلف الإمام ملئ فوه ترابا . وقال زيد بن ثابت وابن عباس: لا يقرأ خلف الإمام .

التالي السابق


الخدمات العلمية