صفحة جزء
فصل [في القدر الذي يترك للمفلس من النفقة والكسوة]

تقدم القول فيما يترك من الكسوة على المفلس ، واختلف إذا كانت الثياب على أهله وولده قد خلقت هل تجدد لهم، فروى ابن القاسم عن مالك أنه قال: يترك له قدر ما يعيش فيه في نفقة له، وكسوة له ولأهله وعياله، ويشك في زوجته، وكذلك إن واجر نفسه ، وإنما شك فيما حفظ عن مالك ليس في الفقه; لأن الزوجة أوجب حقا في ذلك من الولد، وإذا ترك للولد كان أولى أن يترك للزوجة.

وقال سحنون: ولا يترك لها كسوة ، وعلى هذا لا يترك للولد ، وهو [ ص: 3150 ] أبين، وحسبهم ما كان عليهم، ولا أرى أن يستأنف له أيضا كسوة، ويكفيه ماكان يجتزئ به قبل ذلك .

واختلف في النفقة، فقال ابن القاسم في كتاب الزكاة يترك له ما يعيش به هو وأهله الأيام ، وقال مالك في كتاب محمد: يترك نفقة شهر ، وقال ابن القاسم في العتبية: إلا أن يكون المال يسيرا لا خطب له، فيترك له نفقة الأيام .

وقال ابن كنانة في كتاب المدنيين: لا يترك له شيء، وقال محمد: إذا كان الذي يوجد له الذي يتجر فيه لا خطب له، فإنه يترك له ما يعيش به ، قال أصبغ: إن مقدار ذلك لو جمع مثل نفقة شهر أو نحوه .

قال الشيخ - رضي الله عنه -: الأصل للغرماء أن ينتزعوا جميع مال غريمهم كما قال ابن كنانة، ويكون هم وغيرهم في مواساته سواء، والترك استحسان وأرى أن يعتبر فيما يترك له قدر ثلث المال الذي معه وعياله ، والسعر من الرخص والغلاء، فإن ترك له نفقة الشهر مع الغلاء [ ص: 3151 ] وكثرة العيال أضر بالغرماء ، فإن ترك له ذلك مع كثرة المال ورخاء السعر لم يضر بهم، وأما مع قلة ما في يديه فالخمسة أيام والجمعة حسن، ويصح أن لا يترك له شيء، وذلك أن يكون ذا صنعة وصنعته قائمة متى انتزع ما بيده راح بقوته وقوت عياله، وقيل: يترك للصانع النفقة اليسيرة خوف المرض، وليس يبين; لأن المرض نادر، ولأنه لا يخشى أن يكون ذلك بقدر ما يفلس، ولأن الغالب من المفلس أن يؤخر ويكتم، وإن فلس العبد المأذون له في التجارة انتزع ما في يديه كالحر، وإن كان يؤدي لسيده خراجا في حال تجارته من ربحه مضى له ما أخذ، وإن كان يؤدي ذلك من رأس ماله رد ما أخذ ، وإن كان صانعا يشتري الشيء ويصنعه كان أحق بما في يديه، ولا مقال على السيد فيما أخذ من الخراج مما قابل صنعته، وإن كان عنده فضل أخذ منه، وإن علم أنه كان على خسارة انتزع من السيد ما أخذ، وإن أبقى السيد في يديه شيئا من خراجه لم يأخذه الغرماء، وإن كان في يديه مال وهب له أو تصدق به عليه أو أوصي به له قضى منه دينه إلا أن يشترط المعطي أن يتسع فيه العبد، ولا يقضى منه.

وقال ابن القاسم في كتاب محمد: إذا بعث المفلس بنفقة لأهله كان للغرماء أخذها إن قاموا بالحضرة، وإن قاموا بعد قدر ما يرى أنهم أنفقوها لم يكن عليه شيء، فإن قالوا بقرب قبضها قضينا منها نفقة متقدمة، أو كراء لم [ ص: 3152 ] يصدقوا إلا أن يأتي بلطخ أو شبهة أو برهان ولم يجعل لأهله أن يحبسوا منها نفقة الشهر والأيام لأنهم قد أخذوا ذلك عند المفلس ، وإن قالوا لم يدفع إلينا شيئا حلفوا وحلف الرسول إذا وصل ذلك ولم يكن للغرماء مقال على واحد منهم، وهذا على أصل عبد الملك أن القول قول الرسول في الدفع بغير بينة، وعلى أصل ابن القاسم يحلف مرة ويغرم الرسول. [ ص: 3153 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية