صفحة جزء
فصل [في موضع تعريف اللقطة]

تعرف اللقطة في الموضع الذي التقطت فيه، وفي المواضع التي يجتمع الناس إليها، ودبر الصلوات على أبواب المساجد والجامع إذا كان يجلس إلى الحلق فيسأل ولا يرفع صوته; للحديث: أن رجلا نشد ضالة في المسجد فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لا وجدت".

وقال أشهب في مدونته: تعرف في موضع وجدت فيه، وعلى أبواب المساجد اليومين والثلاثة، وما أشبه ذلك، ثم تعرف تمام السنة عند من حضر وينشر ذكرها عند من لقي، وإن وجدها في طريق بين مدينتين عرفها في تينك المدينتين.

واختلف عن مالك هل يسمي جنس اللقطة إذا أنشدها، وألا يسمي أحسن، ويلفف ذكرها مع غيرها ، وإن أفرد فلا بأس; لأن ذكر الجنس بانفراده لا يقوم بنفسه حتى يضم إليه ذكر أشياء تدل على صدقه.

وهو مخير بين أربع: بين أن يعرفها بنفسه، أو يرفعها إلى السلطان إذا كان عدلا ولا يتشاغل عن تعريفها، أو إلى مأمون يقوم مقامه فيها، أو يستأجر عليها من يعرفها. [ ص: 3196 ]

فجاز له أن يعرفها دون الإمام للحديث، وأجاز في المدونة أن يرفعها إلى السلطان، وأجاز ابن القاسم في العتبية أن يدفعها إلى مأمون يعرفها ، وأجاز أبو إسحاق ابن شعبان أن يستأجر عليها منها، يريد: إذا لم يلتزم تعريفها أو كان مثله لا يلي مثل ذلك.

وإن أمسكها سنة ولم يعرفها ثم عرفها في الثانية فهلكت ضمنها، وإن هلكت في السنة الأولى ضمنها، إذا تبين أن صاحبها من الموضع الذي وجدت فيه. وإن كان من غيره وغاب بقرب ضياعها ولم يقدم في الوقت الذي ضاعت فيه لم يضمن. وإن ردها إلى موضعها وكان أخذها ليتأملها أو صاح لمن يمر بين يديه ألكم هذه، فقالوا: لا، فردها لم يكن عليه شيء.

وقال القاضي أبو محمد عبد الوهاب: إن أخذها بنية التعريف ثم ردها ضمن.

وقال ابن القاسم: إن ردها بعد أن مكثت في يديه ضمن. وظاهر قوله: إن ردها بالقرب لم يضمن.

وقال أشهب في مدونته: لا يضمن، وإن مكثت في يديه، قال: وقد قال عمر للذي وجد البعير بعد أن عرفه أرسله حيث وجدته، فأخذ مالك بهذا مرة أنه يرسله ، وقال مرة: يبيعه السلطان ويجعل ثمنه في بيت المال ، وقال في [ ص: 3197 ] المدونة في الآبق: إن أرسله ضمنه . وقال في العتبية: أرى أن يرسله إذا لم يجد من يعرفه خير من أن يبيعه فيهلك ثمنه أو يطرح في السجن فلا يجد من يطعمه .

فأما القول أنه يلزمه تعريفها إذا نوى ذلك فليس بحسن; لأن النية لفعل الخير لا توجبه، والإيجاب أمر زائد على النية، وكذلك إذا رده بالقرب فلا شيء عليه على القول إن أخذها ليس بواجب.

التالي السابق


الخدمات العلمية