صفحة جزء
فصل [في مقدار ما يترك لمن له بئر بجوار موات]

وأما ظاهر الأرض، فإن كان للأول بئر ماشية، فأراد آخر أن يحفر في موات هناك بئرا للماشية، كان ذلك له، ويترك للأول ما يحتاجه عطنا لإبله أو مرابضا لغنمه، ولا يحفر عند آخر حق الأول; لأن إبل الثاني وغنمه إذا وردت الماء انتشرت حول الماء فدخلت في حق الأول، فيجعل بينه وبين آخر حق الأول ما إذا وردت إبله أو غنمه لم يصل إلى آخر حق الأول، وإن كانت الأولى بئر زرع فأراد الثاني أن يحيي ويحفر بئرا لزرع ترك للأول ما يرى أن بئره تسقيه إلا أن يرى أن يعجز عن السقي بجميع ذلك الماء فيترك ما لا يعجز عنه، وإن كان الأول أحيى ذلك الموضع، وقطع الغياض ترك له، وإن كان فوق ما يسقيه بئره فقد يحرثه بعلا، وإن استنبط عينا كان أحق من تلك الأرض بما تسقيه تلك العين إلا أن يكون الماء كثيرا أو لا يقدر على عمارة ما يسقيه في تلك العين فيترك له ما لا يعجز عنه، وهذا كله أصل قول مالك وابن القاسم أن المراعى الضرر من غير قيس ، وقيل: ذلك محدود بالقيس ، [ ص: 3262 ] فقال أبو مصعب: حريم الآبار العادية خمسة وعشرون ذراعا، والتي ابتدأ صاحبها عملها خمسون ذراعا ، وبئر الزرع خمسمائة ذراع، وقال ابن نافع في المستخرجة: حريم البئر العادية خمسون ذراعا والتي ابتدأ عملها خمسة وعشرون ذراعا. وقال ابن المسيب: في بئر الزرع ثلاثمائة ذراع من نواحيها كلها، وقال أشهب: سمعت الناس يقولون: حريم البئر خمسمائة ذراع، قال:

وكان يقال: الأنهار ألف ذراع .

وقول مالك أحسن، فليس الآبار في كثرة مائها وسقيها سواء، فمن حفر بئرا أو استنبط عينا في أرض ليس فيها غياض ولا شعر أو لم يعمل أكثر من الحفر ترك له ما يسقيه ذلك الماء أو ما يستطيع عمارته، وإن قطع غياضا ترك له، وإن كان لا يستطيع حرثه، ولا عمارته لأنه ملكه بالإحياء وله بيعه، وإن كان للأول شجر غرسها في موات، ثم أراد آخر أن يحمي ويغرس، ترك للأول حمى شجره، قال مالك: ويترك له ما يرى أن فيه مصلحتها ولا يضر بها، قال: ويسأل أهل المعرفة بذلك، وقد قالوا: اثنا عشر ذراعا من نواحيها إلى عشرة أذرع، ويسألون عن الكرم وعن كل شجرة أهل العلم بذلك، فيكون بقدر [ ص: 3263 ] مصلحتها .

وأرى إن قالوا مصلحتها عشرة أذرع لم يغرس الآخر عند آخر العشرة، وإن كانت الثانية من جنس الأولى جعل ما بين الأصلين عشرون ذراعا; لأن الشجرة الثانية تحتاج إلى مثل ما تحتاج الأولى، فإن جعل ما بينهما دون ذلك أضر بالأولى، فتشترك فروعها أو عروقها، فإن فعل قطع ما وصل إلى حد الأولى في باطن الأرض وظاهرها، ولو باع نخلة وشرط حقوقها وفنائها جعل لها على هذا القول عشرة أذرع من جميع نواحيها، وإذا أحيا الأولى للسكنى فأراد الثاني أن يحيي ليسكن فأحب الأول أن يبعد عنه، وقال: يكشفني إن كنت قريبا كان ذلك له، وقد قضى عمر بن عبد العزيز - رضي الله عنه - في ذلك أن ينزل عنه نحو مائة ذراع، قال: حيث لا يتبين أمره ولا يسمع كلام الحي، وإن شكا أنه ضيق عليه في المرعى أبعد عنه، وأرى أن يبعد إذا خاف الكشفة أكثر من المائة ذراع، ولا يضيق على النساء في تصرفهن هناك. [ ص: 3264 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية