صفحة جزء
باب فيمن وهب أرضا حاضرة أو غائبة أو دينا على حاضر أو غائب

قال مالك -رحمه الله- : ومن وهب أرضا حاضرة في غير وقت حرثها كان قول الموهوب له قد قبلت- كافيا في الحوز . وقال ابن القاسم : إن كان إبان حرثها فلم يحزها بطلت ، والقياس أن تمضي ولا تبطل ، إلا أن تعود يد الواهب عليها بحرث أو غيره .

وإن كانت الهبة بستانا يغلق عليه أجزأه معاينة إغلاقه ، ثم لا يضره إن لم يعمره ، وتركه حتى درس ، وهو بمنزلة من وهب دارا فأغلقها الموهوب له ثم لم يسكنها; لأن الغلق حائل بين الواهب وبينها .

وقال ابن القاسم في من وهب أرضا بإفريقية ، والواهب والموهوب له بالفسطاط فقال : قد قبلت . لم يكن حوزا ، وإن لم يفرط في الخروج . وقال أشهب : إن لم يفرط في الخروج فلم يخرج حتى مات فهو حوز . وقال ابن عبد الحكم عن مالك فيمن تصدق على ابنه البالغ بدار غائبة وجعل من يحوزها له فمات الأب قبل أن تحاز : فهي جائزة للابن .

ومحمل قول ابن القاسم في الأرض على أنه لو خرج لأدرك حراثتها ، [ ص: 3511 ] ولو كان يكون وصوله قبل إبان حرثها لم يضر إن لم يخرج الآن إذا خرج بعد ذلك في وقت يصل قبل حرثها ; لأنها لو كانت حاضرة لكان حوزها بالقول "قد قبلت" بخلاف الدار .

ولو وهب رجل دينا على رجل بإفريقية ، والواهب والموهوب له بالفسطاط فقال : قد قبلت . كان حوزا . قال : لأن الديون هكذا تقبض . يريد أنه لو كان الغريم حاضرا لجاز بقبول الموهوب له ، وإن لم يقبض الدين .

وإن كانت الأرض أو الدار على يدي رجل فوهبها لمن هي في يديه وهو حاضر فقبلها ، أو لأجنبي فقال من هي على يديه : أنا أحوزها له . جاز ، ولم يضر غيبة الأرض ولا الدار .

قال ابن القاسم : ولو استودع الرجل وديعة أو آجره دارا أو أعاره عبدا وكل ذلك غائب فوهب ذلك المالك لمن هي في يديه ، وكلاهما بالفسطاط ، فقال الموهوب له : قد قبلت . كان حوزا .

وقال مالك فيمن وهب دارا غائبة لابن له صغير في حجره جاز .

وقال ابن القاسم فيمن وهب لرجل دينا له عليه فقال : قد قبلت . فذلك قبض ، وقد سقط الدين . [ ص: 3512 ]

واختلف إذا افترقا ولم يقل : قبلت . فقال ابن القاسم : الهبة ساقطة . وقال أشهب في كتاب محمد : الدين لمن هو عليه إذا أسقطه عنه . وإن لم يعلم بذلك حتى مات الواهب; لأنها وضيعة ، قال : وقد قال مالك فيمن بعث بثوب صدقة إلى غائب وأشهد إن ذلك حوز ، وإن لم يبلغ حتى مات ، وإن وهب الدين لغير من هو عليه وأشهد له أو جمع بينه وبينه ودفع إليه ذكر الحق فهو قبض ، وإن لم يكن ذكر حق فالإشهاد يجزئ . [ ص: 3513 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية