صفحة جزء
فصل [في ذكر بعض موانع الاعتصار]

وإن دوين الابن أو تزوجت الابنة لأجل تلك الهبة أو مرض الأب أو الابن امتنع الاعتصار . وقال محمد : يمنع الاعتصار إذا داينه الناس لأجلها . يريد : وإن لم يداين لأجلها لقلتها أو لأن الابن موسر فإنها تعتصر .

وأرى أن يعتصر إذا استدان وعنده وفاء بدينه; لأن الولد لو أراد أن يهب تلك الهبة لم يكن للغريم مقال ، وإنما يمنع الاعتصار إذا تعلق للغريم بها حق ، وكذلك إن لم يكن عنده سوى الهبة ، ثم اشترى سلعة للتجارة; لأن الابن موسر بالقضاء ، وإن كانت المداينة لطعام يأكله أو ثياب يلبسها امتنع الاعتصار; لأن المداينة لأجل الهبة ، وليكون القضاء منها ، وكذلك الصداق إن لم يتزوج لتلك الهبة; لأنها قليلة أو كثيرة وهو بين اليسار ، كان له أن يعتصر ، إلا أن تكون كثيرة ، ولولا هي لم يتزوج إليه ، وإن كان يرغب فيه لأجلها ولو لم تكن له لم يمتنع التزويج فإن له أن يعتصرها . [ ص: 3529 ]

وقال ابن دينار في كتاب ابن حبيب : له أن يعتصر من الابن بعد التزويج ولا يعتصر من الابنة . قال من قبل أن الابنة دخلت فيما لا مخرج لها منه ولا إليها والابن له مخرج إن قامت قال لها : إن شئت قطعت اللسان الذي تكلميني به ففارقتك .

قال الشيخ -رحمه الله- : وهذا صحيح; لأن تزويج الابن لمكان الهبة بخلاف الابنة ; لأن للابن إذا كان موسرا بالصداق أن يتصدق بتلك الهبة ، فلا حق لها فيها ، وليس كذلك الابنة ; لأن للزوج أن يمنعها من مثل ذلك ، وإن كانت الهبة قدر ثلث مالها كان له أن يعتصر .

قال محمد : إن مرض الأب أو الابن امتنع الاعتصار . وروى أشهب في كتاب محمد عنه أن للأب أن يعتصر وإن كان مريضا . وقال أيضا : لا يعتصر; لأنه حينئذ يعتصر لغيره ، وإن كان الابن هو المريض فلا أدري .

وقال ابن نافع : للسيد أن يعتصر مال مدبره وأم ولده في مرضه ، وإن [ ص: 3530 ] كان الانتزاع حينئذ لغيره ، وعلى هذا يكون للأب أن يعتصر في مرضه ، وإذا امتنع الاعتصار لدين فقضي أو لنكاح فطلق الابن أو طلقت الابنة لم يعد الاعتصار .

واختلف إذا امتنع الاعتصار لمرض الأب أو الابن ثم برئ ، فذكر ابن حبيب عن مالك أنها لا تعتصر ، وقال المغيرة وابن دينار وابن القاسم وابن الماجشون : يعتصر .

وهو أبين; لأن المنع إنما كان لأن الظاهر أنه مرض موت ، فإذا صح تبين لهم أنهم أخطأوا وأنه مرض لا يموت منه ، ولو اعتصر في ذلك المرض ثم صح ، ثبت وقد تبين أنه كان اعتصارا صحيحا ، وقد قيل : إذا طلب الاعتصار في المرض ، فمنع منه ثم صح لم يعد الاعتصار . وليس بحسن ، والوجه ما تقدم ، وأرى أن يكون اعتصاره موقوفا ، فإن مات سقط ، وإن صح ثبت ، وقد تبين أنه كان اعتصارا صحيحا . [ ص: 3531 ]

وإن كانت الهبة بعد التزويج أو بعد المرض أو بعد ما داين الناس كان له أن يعتصر ، وقال ابن الماجشون : ليس ذلك له .

وليس بحسن ، وقد يحسن مثل هذا في المداينة خاصة إذا كان قصده أن يقضي منها دينه; فيكون للابن أن يمنعه من ذلك .

التالي السابق


الخدمات العلمية