صفحة جزء
باب في الوصية بالحج

ومن أوصى أن يحج عنه ، أنفذت وصيته ، فإن لم يعين من يحج عنه استؤجر حر بالغ غير صرورة ، وإن استؤجر صرورة أجزأ .

واختلف في العبد ، والصبي بالجواز والمنع ، واختلف بعد القول بالمنع هل يجزئ؟

فقال ابن الجلال : ذلك جائز ، ومنعه ابن القاسم ، فإن فعل لم يجز في الصبي ، وأجزأ في العبد إذا كان يظنه حرا واجتهد . يريد : ويستأجر حرا من بقية الثلث . وقال غيره : الوصي ضامن ، وإن جهل أنه عبد ، ويجري فيه قول آخر : ألا شيء عليه . وإن كان عالما أنه عبد ، وجاهلا بوجه العلم كما قال في أحد الشريكين : يشتري شراء فاسدا . قال : لا شيء عليه ، وليس كل الناس فقهاء ، فهو في العبد أبين ألا شيء على الوصي للاختلاف في جواز استئجاره ابتداء ، وأرى أن يجزي; لأن العبد ممن يصح منه التقرب بهذه العبادة ، وإن لم تفرض عليه ، وإذا صح منه التقرب بها ، صح أداؤها عن غيره ، وإن كان الموصي غير صرورة ، أو صبيا ، كان أبين في الجواز ، وإن قال الميت : يحج عني فلان ، لم يعدل عنه إلى غيره إن رضي ، وإن لم يرض ، وكان الموصي صرورة ، [ ص: 3658 ] دفعت إلى غيره; لأن قصد الميت بالوصية رجاء أن تبرأ ذمته بذلك وفي الحديث قال ابن عباس : جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : يا رسول الله إن أمي ماتت ، وعليها صوم شهر أفأقضيه عنها؟ قال : ولو كان عليها دين أكنت قاضيه عنها؟ قال : نعم . قال : فدين الله أحق أن يقضى" فجعل فعل الحي عن الميت قضاء .

واختلف إذا كان غير صرورة ، ولم يرض الموصى إليه بالحج . فقال ابن القاسم : يرجع المال ميراثا ، وقال غيره : يدفع لغيره . قال : وليس مثل الصدقة على مسكين بعينه ، ولا العبد بعينه يقول : اشتروه فأعتقوه وهو أحسن; لأن الميت إنما وصى بأن تشترى منه منافعه ، فإن لم يبعها صرف ذلك البر في غيره وإن عين الموصي عبدا أو صبيا أنفذت الوصية إليه كان الموصي صرورة أو ممن قد حج فإن لم يرض سيد العبد [ ص: 3659 ] كان المال ميراثا على قول ابن القاسم ، وصرف لغيره على القول الآخر ، وإن لم يرض ولي الصبي ، وقف المال حتى يبلغ الصبي ، فإن بلغ ، ولم يرض رجع المال ميراثا على قول ابن القاسم . وعلى القول الآخر : يدفع إلى غيره يحج به ، ومن المدونة قال ابن القاسم فيمن وصى ، وقال : أحجوا فلانا حجة ، ولم يقل : عني قال : يعطى من الثلث قدر ما يحج به ، فإن أخذ المال ، ولم يحج به رد منه .

قال الشيخ : أما إن لم يقل عني ، فإنه يعطى ما يقوم به لحجه لكراء ركوبه ، وزاده وثياب سفره ، وغير ذلك من آلة السفر ، وكراء سكناه بمكة أيام مقامه حتى يحج ، والنفقة في ذلك على ما يعتاده مثله ، فإن انقضت أيام الرمي ، سقطت نفقته عن الموصي ، إلا أن تكون العادة في مثل هذا أن ينفق عليه حتى يعود إلى أهله ، وإن قال : يحج عني ، كان الأمر فيما يحج به على قدر المراضاة ، فإن رضي يرخص ، وهو لا يقوم به ، جاز وإن لم يرض إلا بأكثر من إجارة مثله ، زيد ما بينه وبين ثلث إجارة مثله ، فإن لم يرض استؤجر [ ص: 3660 ] غيره إن كان صرورة ، ولو كان الموصي أوصى بأن يحج وارث ، فإن قال : أحجوا فلانا ، لم يعط شيئا; لأنها وصية لوارث وإن قال : عني أنفذت ، وأعطى إجارة مثله ، ولم يزد ثلث الإجارة كما يزاد الأجنبي .

وقال ابن القاسم في المدونة : يعطى نفقته وكراؤه . وهذا أحسن إذا رضي أن يأخذ النفقة والكراء ذاهبا وراجعا ; لأن خروجه للميت وعنه ، وإن أبى إلا بإجارة المثل ، كان ذلك; لأن ثمن المنافع في ذلك كثمن الرقاب ، وهو يأخذ قيمة منافعه ، وإن قال : يحج عني بثلثي ، دفع إليه قدر نفقته ، وكرائه ، ورد الزائد ما لم يدع إلى إجارة المثل فإن ذلك له . [ ص: 3661 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية