صفحة جزء
كتاب المدبر

النسخ المقابل عليها

1 - (ف) نسخة فرنسا رقم (1071)

2 - (ح) نسخة الحسنية رقم (12929)

3 - (ق 10) نسخة القرويين رقم (370) [ ص: 3904 ]

[ ص: 3905 ] كتاب المدبر

باب في التدبير والوصية وما يتعلق بذلك

قال مالك : التدبير واجب; لأنه أوجبه على نفسه ، والوصية بالعتق عدة إن شاء رجع فيها ، قال الشيخ رحمه الله تعالى : الأمر في هذين العتقين في موجب اللسان واحد; لأن معنى القول أنت مدبر أو معتق عن دبر مني ، أي : إذا أدبرت عن الدنيا ، فقوله : أنت معتق ، إذا مت أو إذا أدبرت عن الدنيا واحد .

والوصية بالعتق على ثلاثة أوجه : فإن كانت في المرض أو عند سفر كان له أن يرجع عنها ، وإن لم يبرأ من ذلك المرض ، ولا قدم من ذلك السفر .

واختلف إذا قال ذلك وهو صحيح مقيم ، فقال ابن القاسم له أن يرجع فيها ، وقال أشهب : ليس له ذلك وهو التدبير إلا أن يقول ذلك ، لما جاء في الخبر أنه لا ينبغي لأحد أن يبيت ليلتين إلا ووصيته عنده مكتوبة ، وهذا هو الأصل عند عدم العادة; لأنه عتق معلق بأجل ، ولا فرق بين أن يعلقه بموته أو [ ص: 3906 ] بموت فلان أو إلى سنة ، وقول ابن القاسم أحسن للعادة ، وقد استمر في الناس أن للموصي أن يغير وصيته متى أحب .

ومحمل قول مالك في التدبير أنه لا يغير للعادة عنده أن القائل لذلك ألقى الكلمة على الأصل أنه أعتق إلى أجل ، ولو قال السيد : قلت ذلك ، وجعلت لنفسي أن أغيره متى شئت ولا بينة عليه حين التدبير ، لقبل قوله .

وقد يحمل الحديث في بيع النبي - صلى الله عليه وسلم - المدبر أن التدبير كان عندهم على مقتضى اللسان أنه عتق معلق بموت صاحبه ، وأن القائل لذلك يقصد إلى ما ندبهم الله إليه من الوصية ، ولا فرق عندهم بين اللفظين ، ولو قصد الإيجاب لم يبعه النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وأيضا فإنها نازلة في عين ، ولم يقل من دبر عبده لم يلزمه .

والثالث : أنه لم تختلف الأخبار أن الرد والبيع من النبي - صلى الله عليه وسلم - من غير أن يدعو إلى ذلك المال ، وفي ذلك دليل على أن ذلك لأمر أوجبه; لأنه لا يختلف بعد القول أنه عقد غير لازم أنه يجوز البقاء عليها كالوصايا ، وأنه إن رجع عن ذلك العقد لم يجب أن يخرج من يديه فيباع عليه .

وقد اختلف في الوجه الذي لأجله كان البيع ، فذكر النسائي عن جابر أنه كان محتاجا وعليه دين ، وفي مسلم قال : "لم يكن له مال غيره ، فبلغ ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - [ ص: 3907 ] فقال : "من يشتريه مني؟ " فاشتراه نعيم بن النحام بثمانمائة درهم ، فدفع إليه ، ثم قال : ابدأ بنفسك فتصدق عليها ، فإن فضل شيء فلأهلك ، فإن فضل شيء عن أهلك فلذي قرابتك ، فإن فضل عن ذي قرابتك شيء فهكذا وهكذا ، يقول : فبين يديك وعن يمينك وعن شمالك" .

ففي هذا دليل أن ذلك كان عندهم كالوصايا فندبه النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى ما هو أولى وألا يضيق على نفسه وعلى أهله ، وهذا كقوله - صلى الله عليه وسلم - : "لا صدقة إلا عن ظهر غنى ، وابدأ بمن تعول" . أخرجه البخاري ومسلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية