صفحة جزء
باب في بيع الشاة والاستثناء منها

المستثنى من الشاة تباع تسعة: صوف، ولبن، وجلد، وجزء، وأرطال، وفخذ، وبطن، ورأس، وجنين. فأما الصوف فيجوز أن يستثنى إذا كان يجز إلى يومين أو ثلاثة، وهو في هذا بخلاف أن يكون الصوف هو المبيع، فإنه يجوز أن يشترط بقاؤها العشرة والخمسة عشر، إذا كان لا يريد ببقائه زيادة نمائه، بمنزلة من اشترى ثمرة يتراخى جذاذها، لتنضج ليست لتزيد، وأجد الاستثناء فيه على الأصل فيمن باع دابة واستثنى ركوبها، أنه يجوز من ذلك ما قل، ومثله إذا استثنى لبنها يجوز ما قلت أيامه، لأجل حبس الرقاب، بخلاف من اشترى اللبن.

وإن استثنى جلدها وكان البيع في السفر جاز؛ لأنه ليس له هناك كبير ثمن، وكرهه إذا كان الشراء في الحضر. قال مالك: وكأنه اشترى اللحم. قال في كتاب ابن حبيب: ولا يفسخ إذا نزل، وأجازه ابتداء ابن وهب. وإن اختلفا في ذبحها كان القول قول المشتري، دعا إلى الذبح أو إلى البقاء، فله أن يذبح ويدفع إليه الجلد.

وإن رضي البائع بأخذ مثله، فله أن يعطيه مثله أو قيمته ولا يذبح، وإن كره البائع لتغليب أحد الضررين، فإن ضاعت الشاة أو ماتت قبل أن يدعو المشتري إلى بقائها، كانت مصيبة من البائع؛ لأنه مبقى على ملكه فلا شيء له إن ضاعت، وإن ماتت أخذه من عليها إن أحب، وإن كان بعد أن دعا إلى بقائها، كانت مصيبة من المشتري، وعليه مثل الجلد أو قيمته، وإن استثنى جزءا أو ربعا أو ثلثا أو نصفا جاز، وكانا شريكين فيها على الحياة على تلك الأجزاء. [ ص: 4345 ]

وإن اختلفا في ذبحها كان القول قول من دعا إلى ألا تذبح.

واختلف عن مالك إذا استثنى أرطالا، فأجاز ذلك مرة إذا كانت يسيرة، أربعة أرطال أو نحوها، وقال أيضا: إذا كانت الثلث فأدنى جاز، ومنع ذلك مرة يسيرة كانت أو كثيرة. وهو أحسن.

وقد اختلف في المستثنى هل هو مبقى على الملك الأول أو مشترى؟ وأي ذلك كان فإنه يدخله اللحم المعيب؛ لأنه إن قدر أنه مبقى، فما بعد المستثنى هو الذي يصير إلى المشتري، إنما يأخذه لحما؛ لأن القول قول من دعا إلى الذبح، قال ابن القاسم بخلاف الجلد: فهو لحم معيب.

وإن قدر أن المستثنى مشترى، كان البائع مشتريا للحم قبل ذبحه، ويجوز جميع ذلك على قول أشهب؛ لأنه أجاز أن يشتري أرطالا من لحم شاة حية إذا جسها وعرف نحوها.

ويختلف إذا ماتت قبل الذبح، فعلى القول إنه مبقى تكون المصيبة منهما جميعا، ولا يرجع أحدهما على الآخر بشيء، وعلى القول الآخر يرجع البائع على المشتري بقدر تلك الأرطال، وعلى القول الأول يجوز جميع ذلك ويجبر المشتري على الذبح.

وأجاز مالك والليث أن يستثني الرأس، وأن يعطي المشتري البائع شراءه أو قيمته. قال ابن حبيب: والقيمة أحب إلي وكل جائز، وأرى المثل في ذلك جائزا، وإن أمكن أن يكون أكثر أو أقل؛ لأنه إن كان الحكم عند المشاحة [ ص: 4346 ] القيمة، فأخذه عن القيمة أكثر أو أقل جائز، وإن كان الحكم أن يقضي فيه بالمثل فكذلك، وهو بمنزلة طعام في ذمة، فأخذ أكثر من حقه، فهو تطوع وحسن قضاء، أو أقل فهو فضل من القابض.

وروى مطرف عن مالك فيمن باع بعيرا واستثنى رأسه، أو أرطالا يسيرة من لحمه جاز، فإن أخره المشتري حتى صح أو مات، أو كان مريضا فأخره رجاء صحته، كان ضامنا لما استثنى إن مات، وإن صح كان عليه شراء ما استثنى أو قيمته، ولم يجبر على نحره، وإن كان حين البيع صحيحا، تربص به الأسواق فزاد ونما يكره نحره، كان البائع شريكا بقدر ما استثنى، فأجاز في السؤال الأول أن يعطيه مثل الأرطال ويستحييه وهو القياس، وكذلك إذا استثنى البطن أو ما أشبه ذلك.

واختلف إذا استثنى الجنين، فمنعه مالك؛ لأنه لا يدرى أحي هو أم ميت. وأجازه الليث بن سعد في كتاب محمد، في الجارية تباع ويستثنى ما في بطنها، وهو أحسن؛ لأنه مبقى على أصل مالك، لم يدخل في البيع فلا يضره حيا كان أو ميتا، ولا فرق بين أن يكون رقيقا أو يعتق.

التالي السابق


الخدمات العلمية