صفحة جزء
باب في من اشترى غائبا فهلك بعد البيع وقبل القبض

اختلف في ذلك على أربعة أقوال، فقال مالك مرة: المصيبة من البائع أي صنف كان المبيع؛ الديار وغيرها، وقال في كتاب محمد في الديار: المصيبة من البائع، وقال مرة: المصيبة من المشتري في المبيع كله، وقال أيضا: الديار والعقار من المشتري وما سوى ذلك من البائع.

وقال ابن حبيب: الديار والعقار من المشتري، وما كان من سواه قريب الغيبة يجوز اشتراط النقد فيه - مصيبته من المشتري، وما كان بعيد الغيبة لا يجوز النقد فيه فمصيبته من البائع، وإذا كانت المصيبة من المشتري، فإنه يجوز أن يشترط أن يكون في ضمان البائع، حتى يشترط أو حتى يقبضه المشتري.

واختلف على القول: إن المصيبة من البائع هل يجوز أن يشترط مصيبته من المشتري، فأجازه في المدونة، وقال في العتبية: لا يجوز بيع الطعام على شرط إن أدركته الصفقة مثل الزرع القائم إذا يبس واستحصد.

ورآه بمنزلة من اشترى ما فيه سقي على أن لا جائحة، وبمنزلة من اشترى ما فيه عقد إجارة؛ لأن الإجارة تمنع من التصرف في الحاضر كمنع التصرف [ ص: 4461 ] من أجل الغيبة، فمن كان بإفريقية فاشترى عبدا بمصر غير قادر على التصرف فيه بالوجه الذي يقصده فيه المشتري من الاستخدام والوطء والركوب، فهذه عهدة ما يقصده المشتري، ولا يعترض هذا بأنه قادر على الهبة؛ لأنه ليس يقصده المشتري ولا بالقدرة على البيع، وليس الغرض أن يشتري ليهب أو ليبيع قبل الوصول إليه، وإنما يحمل الناس على الغالب من مقاصدهم، وقد تأول ابن القاسم قول مالك أنه على الطعام المخزون، ونص مالك خلاف ذلك؛ لأنه قال في الزرع إذا كان قائما وإذا جاز أن يشترط أحدهما ذلك على الآخر فلم يفعل، وأراد بعد العقد أن يشترط ذلك كان فيها قولان فقيل يجوز لفعل عثمان وعبد الرحمن وقيل: لا يجوز، وأنهما كانا متساويين.

وقال أصبغ في كتاب محمد في من باع دابة ثم تبرأ من عيوبها بعد العقد بشيء أخذه لا يجوز ذلك إلا في الرقيق، وقال في كتاب ابن حبيب: يجوز ذلك في الجارية؛ لأنه يجوز فيها البراءة، فعلى هذا يجوز نقل الضمان بعد العقد، والقياس ألا يجوز؛ لأنه ضمان بجعل وغرر إن سلم المبيع وكان الجعل للبائع كان من أكل المال بالباطل.

وقد اختلف قول مالك في هذا الأصل؛ فمرة يقدم القياس ومرة يقدم العمل، والحكم في مصيبة ما بيع على رؤية تقدمت وهو غائب - على ما تقدم إذا بيع على صفة من غير رؤية تقدمت، وهذا إذا كان الشراء على تصديق البائع، فأما إذا كان على الوقف وعلى أنه إن كان على الصفة كان للمشتري أو على أن يختبر، فإن المصيبة من البائع، وكذلك إذا اشترى دارا على قياس أذرع، أو أشجارا على عدد -على إن كان عددها كذا وكذا- كانت للمشتري، [ ص: 4462 ] والمصيبة في جميع ذلك من البائع، وذلك فيه كالوكيل.

وقال محمد في من اشترى زرعا قد استحصد فدانين على أن تقاس الأرض ليعرف كم فيها، فإن كان مكنه من حصاده، ثم تقاس الأرض كانت مصيبته من المشتري؛ لأن للمشتري أن يبيعه قبل حصاده، ولو كان القياس قبل حصاده كانت المصيبة من البائع. ويختلف هل للمشتري أن يبيعه قبل ذلك؟ [ ص: 4463 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية