صفحة جزء
باب فيما يجوز مساقاته من ذوات الأصول وغيرها

المساقاة ثلاثة أصناف:

فالأول: الشجر، والنخل، والزيتون، والرمان، وما أشبه ذلك.

والثاني: ما ليس بشجر، وكان إذا جني لم يخلف كالزرع، والقمح، والشعير، والقطاني، والجزر، والبصل.

والثالث: ما ليس بشجر، وإذا جد أخلف: كالقضب والكراث والموز.

فأما الشجر، فتجوز مساقاته اختيارا وإن لم يعجز عنه صاحبه، كان فيه ثمر أو لم يكن، سنة وسنتين، ما خلا شيئين: أن يكون صغيرا لم يبلغ الإطعام، أو كبيرا فيه ثمر قد بدا صلاحه على اختلاف فيه إذا بدا صلاحه.

وأما الزرع والقطاني وما أشبهها فاختلف فيه على أربعة أقوال: فقال مالك في "كتاب ابن المواز" في الذي يضعف عن زرعه ويريد أن يساقيه ما هو بالموطأ حتى يكون مثل النخل، وأرجو أن يكون خفيفا. فأجازه على كراهية، وأجاز ذلك في "المدونة" بثلاثة شروط: إذا عجز عنه، وبرز من الأرض، ولم يبد صلاحه. وأجازه ابن نافع في "كتاب ابن سحنون" من غير شرط [ ص: 4731 ] كالشجر، وقال: المساقاة جائزة في الزرع والجزر والبطيخ، والأصول المغيبة وإن لم يعجز عنه صاحبه. ولم يفرق في ذلك برز أو لم يبرز.

وقال ابن عبدوس: والقياس ألا تجوز مساقاة الزرع.

وأما ما يجز ويخلف فلا تجوز مساقاته عند مالك قال في "المدونة": لا تجوز مساقاة القصب، قال: لأن المساقاة تقع فيه وقد حل بيعه، وهو يجز جزة بعد جزة، والذي يريد أن يساقيه فليشتره وليشترط لنفسه خلفته.

وقال محمد بن المواز في قصب السكر: إن كانت له خلفة فساقى عليه وعلى خلفته لم يجز; لأنه لا تجوز مساقاة ما لم يخرج من الأرض، فكذلك خلفته لا تجوز مساقاته، قال: ولو انفرد وحده جاز إذا عجز عنه واستقل من الأرض، ولم يشترط خلفته; فكان في هذا وجهان:

جواز مساقاة ما له خلفة إذا عجز عنه في وقت لا يجوز بيعه.

والثاني: منع بيع الخلفة جملة، وأنها بمنزلة الرأس في المنع.

وهذا خلاف ما في "المدونة" وعلى قول ابن نافع تجوز مساقاة الرأس في وقت لا يجوز بيعه وإن لم يعجز عنه.

ففرق مالك بين مساقاة ذوات الأصول وغيرها; لأن القياس منع المساقاة جملة; لأنها تتضمن بيع الثمر قبل صلاحه.

والثاني: أن العامل يعمل على أنه إن أصيبت الثمرة لم يرجع بشيء، وكان [ ص: 4732 ] عمله باطلا مع انتفاع الأصول بعمله.

والثالث: أنه لا يدري ما يكون عوض عمله قليلا أو كثيرا، ومن شرط الجعل أن يكون معلوما.

والرابع: أن يدخله إذا كان في الحائط عبيد أو دواب بيع الطعام بالطعام ليس يدا بيد; لأنه يطعمهم ويأخذ العوض طعاما، فأجاز المساقاة في ذوات الأصول للسنة، ومنع ما سواها إلا لضرورة؛ لئلا يتلف الزرع متى منع، والضرورات تنقل الأحكام، وأرى أن يجوز ذلك إذا كان العجز قبل البروز بل هو أعذر، فقد ينتفع بما برز واستقل برعي أو غيره، ولم ينتفع بما لم يبرز.

وقاسه ابن نافع على ذوات الأصول; لأن الغرر فيهما سواء. وقد يكون بعض ما ليس له أصل كالجزر واللفت -وله الشرب المأمون- آمن من الثمار; لأنه يقرب أخذه، والانتفاع به، "وقد ساقى النبي -صلى الله عليه وسلم- أهل خيبر على شطر ما يخرج من الثمرة والزرع" وإذا جازت المزارعة بالجزء كانت المساقاة عليه أجوز.

التالي السابق


الخدمات العلمية