صفحة جزء
فصل في الإجارة على تعليم العلم وتعليمه وبيع كتبه

ويختلف في الإجارة على تعليم العلم وكتبه وبيع كتبه. فقال مالك في "المدونة": أكره بيع كتب الفقه، قال: ولا يعجبني الإجارة على تعليمه. [ ص: 4958 ]

وعلى قوله تكره الإجارة على كتابته، ومنع مالك في "كتاب محمد" بيعها في الدين. وقال في غير "كتاب محمد": الوارث وغيره فيها سواء إذا كان ممن هو أهل لها. وإليه ذهب سحنون. وعلى هذا لا تجوز الإجارة على تعليمه ولا على كتابته. وقيل: ذلك جائز وتباع في الدين وغيره.

وقال محمد بن عبد الحكم: بيعت كتب ابن وهب بثلاث مائة دينار وأصحابنا متوافرون فلم ينكروا ذلك. وقال في موضع آخر: وكان أبي وصيه. فعلى هذا تجوز الإجارة على تعليمه وكتابته، وهو أحسن ولا أرى أن يختلف اليوم في ذلك أنه جائز; لأن حفظ الناس وأفهامهم نقصت، وقد كان كثير ممن تقدم ليس لهم كتب.

قال مالك: ولم يكن للقاسم ولا لسعيد كتب، وما كنت أقرأ العلم على أحد ولا نكتب في هذه الألواح، وقد قلت لابن شهاب: أكنت تكتب العلم؟ فقال: لا. فقلت: أكنت تسألهم أن يعيدوا عليك الحديث؟ فقال: لا. فهذا كان شأن القوم، فلو سار الناس في ذلك اليوم بسيرهم لضاع العلم وأمكن أن لا يبقى منه رسمه، والناس اليوم يقرؤون كتبهم ثم هم في التقصير على ما هم عليه! وأيضا فإنه لا خلاف عندنا في مسائل الفروع أن القول فيها بالاجتهاد والقياس واجب.

فإذا كان [ ص: 4959 ] ذلك وكان إهمال كتبهم كتبها وبيعها يؤدي إلى التقصير في الاجتهاد وأن لا يوضع مواضعه; لأن معرفة أقوال المتقدمين والترجيح بين أقاويلهم قوة وزيادة في وضع الاجتهاد مواضعه. ويجوز للمفتي أن يكون له أجر من بيت المال فلا يأخذ أجرا عن فتيا وقد تقدم ذلك.

واختلف في الإجارة على تعليم الشعر والرسائل والنحو، فكرهه ابن القاسم. وقال ابن حبيب: لا بأس بالإجارة على تعليم الشعر والرسائل وأيام العرب، ويكره من الشعر ما فيه الخمر والخنا والهجاء. ويلزم على قوله أن يجيز الإجارة على كتابته ويجيز بيع كتبه. وأما الغناء والنوح فممنوع على كل حال.

واختلف في إجارة الدفاف في العرس، فكرهه مالك. وقال ابن القاسم في "العتبية" في أجر المعازف واللهو في العرس أيقضى به؟ فقال: أما اللهو الذي يرخص فيه وهو الدف فيقضى به. وأما المزمار والعود فلا يقضى به. وقد تقدم ذكر الجارية المغنية في كتاب العيوب. [ ص: 4960 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية