صفحة جزء
وأبوال الحيوان وأرواثها على ثلاثة أوجه: طاهرة، ونجسة، ومختلف فيها، وهي في الجملة تابعة للحومها، فما كان منها محرما كان ما يكون منها نجسا، وما كان فيها يؤكل لحمه كالإبل والبقر والغنم وسائر الوحش ما لم يكن ذا ناب من السباع- طاهرا، أو ما كان مختلفا في أكله كالخيل والبغال والحمير وكل ذي ناب من السباع يختلف فيما يكون عنها; فعلى القول أنها محرمة يكون ذلك نجسا، وعلى القول أنها مكروهة اللحمان، يتوقى ولا يقطع بنجاسته.

والألبان ثلاثة: حلال طاهر، وحرام نجس، ومختلف فيه هل هو حلال طاهر أو حرام نجس; فلبن ما يؤكل لحمه تابع للحمه حلال طاهر.

ولبن الخنزير تابع للحمه حرام نجس، ولبن بنات آدم مخالف للحومهن حلال طاهر; لأن تحريم لحومهن إكرام لهن، ولبن ما سوى ذلك كالأتن والسباع والكلاب وما أشبهها مختلف فيه، فقيل: تابع للحومها حرام، وقيل: مكروه وقيل: بخلاف لحومها هو حلال طاهر .

وقال ابن وهب : قال مالك: إن أهل العلم لا يرون على ما أصابه شيء من أبوال الإبل والبقر والغنم- شيئا ، وإن أصاب ثوبه فلا يغسله. ويرون على من أصاب ثوبه شيء من أرواث الدواب: الخيل والبغال والحمير أن يغسله. [ ص: 52 ]

قال: والذي فرق بين ذلك أن تلك يشرب ألبانها وتؤكل لحومها، وأن هذه لا تؤكل لحومها ولا تشرب ألبانها، وقد روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه صلى في مرابض الغنم .

وفي كتاب مسلم: قيل: يا رسول الله: أصلي في مرابض الغنم؟ قال " نعم" . وثبت عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه طاف على بعيره ، فلو كانت أبوالها وأرواثها نجسة لم يدخلها المسجد; لأنه لا يؤمن ما يكون منه في حين دخوله ولا طوافه عليه، فلا يجوز أن يعرض المسجد لنجاسة. وأباح للعرنيين أن يشربوا أبوال الإبل ، فلو كانت نجسة لم يبحها، وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: " لا شفاء فيما حرم الله" ، [ ص: 53 ] فكل هذا دليل على طهارة ما يكون مما يؤكل لحمه.

وقال المغيرة في " المجموعة" في لبن الأتن: إن صلى به أعاد ما دام في الوقت .

وقاله يحيى بن يحيى . . . . . . . . . . . . . . . . [ ص: 54 ]

في " العتبية" وقال محمد : لا يعجبني ذلك، ولحوم بنات بني آدم محرمة وقد جعل لبنهن غذاء للأبناء .

وليس هذا بالبين; لأن تحريم لحوم بني آدم إكرام لهم، ولحوم هذه رجس، إلا أن القياس أن يكون طاهرا; لأن الحيوان في نفسه على الطهارة، وكذلك عرقه. وإذا كان ذلك فحكم الوعاء الذي فيه اللبن طاهر، فوجب أن يكون مثل عرقها وغيره، وقد ثبت عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه ركب فرسا عريا وأجراه ، [ ص: 55 ] والشأن في الخيل إذا أجريت أن تعرق، فلو كان عرقه نجسا لتوقاه ولم يركبه على تلك الصفة.

التالي السابق


الخدمات العلمية