صفحة جزء
فصل [في محل النية في صلاة السفر]

الخيار يصح قبل الدخول في الصلاة، فيلتزم قبل أن يتلبس به لأحد الأمرين. ويصح أن يدخل على أنه بالخيار بين أن يتمادى إلى أربع أو يقتصر على ركعتين.

واختلف إذا دخل ينوي ركعتين فأتم أربعا، أو نوى أربعا فسلم من ركعتين، فقيل: الصلاة جائزة ويعيد ما لم يذهب الوقت. وهذا استحسان. وقيل: يعيد وإن ذهب الوقت.

وقال في المدونة فيمن أحرم ينوي أربعا ثم سلم من ركعتين: لا تجزئه; لأن صلاته على أول نيته. قال محمد: وهو الذي ثبت عليه ابن القاسم. يريد: أنه اختلف قوله، وثبت على أنها لا تجزئه.

وقال مالك في مسافر صلى بمسافرين فقام بعد ركعتين فسبحوا به فلم يرجع، قال: أرى أن يقعدوا ويتشهدوا ولا يتبعوه.

قال محمد: ولمالك قول آخر: إنهم يصلون معه ويعيدون. قال: والقول الذي رجع إليه أنهم يسلمون وينصرفون، وهو قول مالك في المختصر، فجعل لهم في أحد الأقوال أن يتبعوه في الأربع، وإن كانت نيته ونيتهم ركعتين، ولولا ذلك لم يسبحوا به.

وقيل لمحمد: إذا أتم المسافر بمن خلفه ساهيا، ولعله إنما أراد ركعتين، [ ص: 459 ] قال: ذلك سواء. وإليه رجع ابن القاسم أن العمد والسهو في ذلك واحد; لأن الزيادة في صلاة السفر قد اختلف الناس فيها، فقيل: لا تجزئه إلا أربع. قال: ولذلك قال مالك: إذا أتمها وخرج الوقت لا إعادة عليه.

واختلف في مثل ذلك في الصوم إذا تلبس بصوم يوم من رمضان في السفر، فقال مالك: لا يفطره.

وقال مطرف في كتاب ابن حبيب: هو بالخيار وله أن يفطر، واحتج بفطر النبي -صلى الله عليه وسلم- بالكديد. والصواب في الصوم المنع; لأنه تلبس بطاعة فلا يبطلها، وقد كان إفطار النبي -صلى الله عليه وسلم- لعذر: أصاب الناس عطش وأبوا أن يفطروا حتى رأوه أفطر، وليس كذلك الصلاة; لأنه يعمل إحدى الطاعتين التي يصح الاقتصار عليها، وهي ركعتان أو أربع، فإن نوى أربعا كانت نيته قد اشتملت على فرض وهما الركعتان الأوليان، وما هو في معنى التطوع، وهما الركعتان الأخريان، فإن سلم من ركعتين أجزأه ولم يلزمه الوفاء بما نواه من الزائد; لأنه لم يتلبس به، وإن دخل في الثالثة لزمه تمام الأربع; لأنه حينئذ نية وفعل، فإن سلم قبل تمام الأربع أفسد صلاته. [ ص: 460 ]

ولا يخلو المسافر في صلاته أربعا من أن تكون تلك نيته حين دخوله في الصلاة، وهو من أهل الاجتهاد وذلك رأيه، أو يكون يجهل ويظن أن صلاة السفر والحضر سواء، أو عالما بالقصر ونسي حين الدخول في الصلاة، وجرى على العادة في الحضر فنوى أربعا، أو ناسيا أنه في سفر، أو نوى ركعتين ثم أتم أربعا ساهيا يظن أنه في الركعتين ثم علم بالزيادة، أو ساهيا أنه في سفر، أو عامدا يرى جواز ذلك وأن له أن ينتقل إلى الأربع: فإن كانت تلك نيته من الأول لأربع; لأنه من أهل الاجتهاد أو مقلد وقلد من ذلك رأيه - مضت صلاته ولا يؤمر بإعادة، وليس لنا أن ننقل المجتهد عن اجتهاده إلى اجتهاد ثان، ولا المقلد إلى تقليد غير من قلده.

فإن فعل ذلك جهلا يرى أن صلاة المسافر والحاضر سواء - مضت صلاته على قول من قال: إنه بالخيار، وأعاد على القول "إنه سنة" في الوقت، وعلى القول "إنه فرض" وإن ذهب الوقت.

وإن كان بالبلد فقهاء ثلاثة، كل واحد منهم متمسك بقول منها، ويرى غير رأي صاحبه وكلهم أهل للفتوى - جاز لهذا العامي أن يقلد أيهم أحب. وإن كان عالما واحدا وترجحت عنده الأقوال جرت على قولين:

أحدهما: أن للمفتي أن يحيله على أيهما أحب.

والثاني: أنه في ذلك كالناقل، وإنما يخبره بالقائلين، وهو يقلد أيهم أحب; بمنزلة لو كان القائلون أحياء.

وقد مضى في كتاب الوضوء: إذا أحرم للجمعة [ ص: 461 ] ثم رعف وفاتته الجمعة: هل يبني على إحرامه أربعا وإن كان الإحرام لركعتين؟ وفي كتاب الصلاة الأول: إذا أحرم وهو يظنه يوم الجمعة فكان يوم الخميس، أو يوم الخميس فكان يوم الجمعة.

التالي السابق


الخدمات العلمية