صفحة جزء
باب في اختلاف الشهادة في المال والطلاق والعتق والقتل

وقال مالك -فيمن أقام شاهدا بمائة دينار، وشاهدا بخمسين، فإن شاء أخذ مائة بيمين، وإن شاء أخذ خمسين بغير يمين، ولم يبين الشهادة عن مجلس أو مجلسين.

وقد اختلف إذا كانتا عن مجلس بلفظ واحد، وقام المشهود له بالشهادتين، والمدعى عليه منكر لهما. فقيل: الشهادة ماضية حسبما تقدم، وكان شاهد المائة شهد بخمسين مرتين. وقيل: الشهادتان ساقطتان. وهو أحسن، وقد كذب كل واحد منهما صاحبه، واللفظ بمائة غير اللفظ بخمسين. وإن قام الطالب بشاهد المائة، حلف معه واستحق، وإن كان الآخر أعدل. وقد سقط شاهد الخمسين؛ لاتفاق الطالب والمطلوب على كذبه. وإن قام المطلوب بشاهد الخمسين، نظر إلى أعدل الشاهدين، فإن كان شاهد المائة أعدل، حلف معه الطالب واستحق، وإن كان الآخر أعدل، حلف معه المطلوب وبرئ. وقيل: يحكم بشاهد الطالب وإن كان الآخر أعدل، وليس [ ص: 5457 ] بالبين والأول أحسن; لأن المطلوب يقول: هذا شاهدي أعدل من شاهدك، يشهد أني لم أقر إلا بخمسين.

واختلف إذا كانت الشهادة عن مجلسين، وقال المشهود له هو مال واحد، والمدعى عليه ينكر الجميع. فقال ابن القاسم: لا يستحق من ذلك شيئا إلا بيمين، وقال محمد: له أن يأخذ أقلهما بغير يمين، ويحلف المطلوب على الزائد. والأول أصوب; لأن المطلوب يقول: ليس لك أن تضم الشهادتين، وتأخذ خمسين ثم أحلف على تكذيب شاهد المائة، وإذا حلفت على تكذيبه بطل جميع شهادته، فإن أحب حلف مع شاهد المائة وأخذها، ويستغني عن شاهد الخمسين، وإن أحب أن يحلف مع شاهد الخمسين ويرد اليمين في شاهد المائة، فإن حلف برئ وإن نكل غرم خمسين; لأن الطالب لم يدع إلا مائة وقد أخذ خمسين، فإن أحب أخذ خمسين بغير يمين مائة، ثم لا يكون له على الطالب شيء، وإن زعم الطالب أنهما مالان، حلف مع كل شاهد واستحق مائة وخمسين، إلا أن يقول الطالب بالشهادتين، ويقول الخمسون من المائة ويعدم التواريخ، أو يعلم أنه أقر بخمسين قبل المائة، ويكون القول قوله مع يمينه، إذا قال استدنت منه خمسين فأشهدت له بها، ثم خمسين فأشهدت [ ص: 5458 ] بمائة، فإن علم أن الإشهاد بمائة متقدم لم يقبل قوله، وكان القول قول الطالب أنهما مالان، وإن شهد كل واحد بمائة عن مجلسين، وقال الطالب هما مائتان، وقال المطلوب هي مائة، فظاهر قول ابن القاسم أن القول قول الطالب.

وقال أصبغ: إن كانتا بكتابين فالقول قول الطالب. وكذلك إن كان إقرارا بغير كتاب، وتقارب ما بينهما.

واختلف إذا شهد ستة عن مجالس، كل اثنين بطلقة، وقال الزوج هي واحدة كنت أشهدت بها. فقال ابن القاسم: هي ثلاث ولا ينفعه ذلك، وقاسه بالسلف أنه يغرم ثلاث مائة. قال أصبغ: يعني إذا شهد له بمائة، ثم بمائة، ثم بمائة في مجالس. وقال أصبغ: إن كان يقول اشهدوا أني طلقتها، دين، وإن كان يقول اشهدوا أنها طالق لم تنفعه نيته.

وقال مالك -في "مختصر ما ليس في المختصر" فيمن لقي رجلا فقال: اشهد أن امرأتي طالق، ثم لقي آخر فقال: اشهد أن امرأتي طالق، ثم [ ص: 5459 ] لقي ثالثا فقال له مثل ذلك، وقال أردت واحدة، أحلف ودين. وهو أصوب; لأن معنى قوله طالق أنها صارت ذات طلاق، فهو لفظ يراد به الإخبار عن الماضي والإيقاع الآن، إلا أن يتباعد ما بين تلك الشهادات.

التالي السابق


الخدمات العلمية